في المبدأ، تتأثر النظرة المستقبلية إلى المصارف المصرية تبعا للتصنيف الائتماني للدولة صعودا أو هبوطا، لكن بحسب الخبير الاقتصادي هاني توفيق، "فلا جديد، ولا خوف بالتالي حاليا على أموال المصريين في البنوك"، لكن التصنيفات "تذكر بحتمية البدء فوراً في إصلاح المنظومة الاقتصادية للدولة بالكامل". واعتبر عضو اللجنة العليا للبورصة المصرية سابقا والخبير الاقتصادي مدحت نافع خفض تصنيف المصارف الثلاثة "إجراءً روتينياً يأتي دائما عقب أي تغير في تصنيف الجدارة الائتمانية للدولة نفسها".
وقال نافع لـ"المجلة": "كان متوقعا تحول النظرة إلى سلبية بالنسبة إلى الاقتصاد"، ورجح أن يكون السبب "حالة عدم اليقين في ما يتعلق بسعر صرف الجنيه المصري، ولا سيما التباطؤ الذي أشار إليه صندوق النقد في أكثر من تصريح في ما يتعلق بالإجراءات المطلوبة لتخارج الدولة من النشاط الاقتصادي وتحديداً من خلال برنامج طرح الأصول المملوكة للدولة". وشدد نافع على أهمية تطبيق بعض الإجراءات الأخرى التي تراها مؤسسات التمويل الدولية ضرورية بما فيها مزيد من الخفض لسعر الجنيه المصري، مشيراً إلى أن الأزمة التي تسيطر حالياً على البلاد سببها "أننا لا نعرف ما هو أدنى مستوى يمكن أن ينخفض إليه الجنيه، في ظل الندرة الحالية للدولار التي لا يُتوقَّع أن تنتهي قريبا".
وألمح نافع إلى أن الأثر السلبي سيكون في برنامج الطروحات، والأكثر سلبية ليس في التقييم الائتماني بل في ظهور سعر صرف موازٍ في السوق الموازية للدولار. لم تكن توقعات نافعواضحة في شأن تحرير سعر الصرف، إذ قال: "عادة لا يقدم المستثمر الأجنبي على الاستثمار بالدولار إلاّ إذ توافرت لديه معلومات واضحة عن سعر الصرف الذي سيعتمد من أجل تقييم الأصول، وكلما انخفض الجنيه في مقابل العملات الأجنبية، يكون ذلك في صالح المستثمر الأجنبي".
ونبه الخبير الاقتصادي إلى أن "ستاندرد أند بورز" وغيرها من وكالات التصنيف تلجأ إلى النظرة السلبية حين تتوقع أن تتجه المراجعة المقبلة للتصنيف الائتماني إلى مزيد من الأخطار، ما يتطلب خفضا إضافيا إذا لم تحدث تغيرات إيجابية، مرجحا أن يكون التصنيف المقبل أدنى من التصنيف الحالي، وذلك لاستمرار حالة عدم اليقين في الأسواق، وألمح إلى تأخر الدفعة الثانية من قرض صندوق النقد المتفق عليه مع الحكومة المصرية لتلك الأسباب.
وأشار نافع إلى أن قرار "ستاندرد أند بورز" يعود إلى عدم إنجاز الحكومة مطالب الصندوق خلال الفترة بين يناير/كانون الثاني ومارس/آذار الماضي، وهي فترة قصيرة، متوقعا عدول وكالة التصنيف عن نظرتها قبل يوليو/تموز المقبل، بمجرد قيام الحكومة المصرية بتنفيذ ما تعهد به مدبولي. وكانت الحكومة أعلنت من قبل نيتها بيع حصص حكومية في 32 شركة، بين أول الفصل الأول من السنة الجارية ونهاية الفصل الأول من عام 2024.
وأُعلِن خلال الفترة الماضية طرح أسهم شركتين تابعتين للقوات المسلحة، هما "وطنية" و"صافي"، ويجري حاليا تجهيز أكثر من عشر شركات أخرى تابعة للقوات المسلحة للطرح من خلال برنامج الطروحات المخصص لشركات ومصارف، ويشمل طرح أسهم في البورصة ولمستثمرين استراتيجيين. وستعين جهة استشارية دولية لمساعدة الحكومة المصرية في إتمام عمليات البيع، جنبا إلى جنب مع مصارف الاستثمار.
وتنتظر مصر إعلان صندوق النقد المراجعة الفصلية التي كان من المفترض الكشف عنها أواخر مارس/آذار الماضي، ويبدو أن الصندوق ينتظر مزيدا من وضوح الرؤية على صعيد برنامج الإصلاحات الاقتصادية التي وعدت بها مصر ضمن الاتفاق الأخير مع الصندوق، وتشمل تحريرا شاملا للجنيه وبيع حصص في مصارف وشركات ومؤسسات مملوكة من الدولة إلى مستثمرين استراتيجيين أو طرح جزء منها في البورصة، لتشجيع مزيد من الاستثمار وتعزيز مساهمة القطاع الخاص. إلا أن هذه الإصلاحات تؤثر في شكل كبير في حياة أغلبية المصريين بسبب جنون الأسعار الذي يخفض قدراتهم الشرائية ويقلل استهلاكهم، ومن ثم يؤدي إلى انخفاض المبيعات والإنتاج وارتفاع معدلات الفقر.
الجنيه وعتبة الأربعين
تحوّلت أنظار بعض المصريين إلى السبائك والجنيهات الذهبية باعتبارها ملجأ لحفظ القيمة، وفى الوقت نفسه لمواجهة تفاقم معدل التضخم، مع وصول سعر صرف الدولار في السوق الموازية إلى ما بين 35 و39 جنيها، بينما يستقر في السوق الرسمية عند 31 جنيها، ويزيد في العقود الآجلة على 42 جنيها. وكشف أحد أكبر المصارف الأميركية، "غولدمان ساكس إنترناشيونال"، في تقريرله بعنوان "آفاق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: أخطار السوق الموازية للجنيه المصري"، أن الإصرار على عدم الانتقال إلى سعر صرف مرن للجنيه أمام باقي العملات الأجنبية سيؤدي إلى زيادة التشوهات وأخطار قيام اقتصاد غير مستدام بسبب استمرار وجود سوق عملات أجنبية موازية لتداول العملة بالسعر غير الرسمي.
من أبرز الأخطار التي تناولها التقرير تحويل تدفقات العملات الأجنبية بعيدا من السوق الرسمية إلى السوق الموازية بما يشمل تحويلات المصريين العاملين في الخارج الذين يمثلون نحو ثلث تدفقات الحساب الجاري، والتي تراجعت بنسبة 23 في المئة خلال الأشهر الستة من السنة المالية الجارية 2022-2023 لتسجل نحو 12 مليار دولار. ويشجع استمرار السوق غير الرسمية للعملة على ممارسات مضرة بالاقتصاد، مثل الإفراط في الواردات وانخفاض الصادرات، وتراجع الاستثمار الأجنبي والمحلي، وهذا يعني ضياع ميزة محتملة تتمثل في الحفاظ على عملة قوية نسبياً.