لم يشهد اليمن منذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر/أيلول 2014 وحتى الأسابيع الماضية حالا مماثلا من البهجة. فعوضا عن امتلاء الشاشات بصور الجبهات، انهمرت صور المصافحات، وتلقف الجميع مشاهد قبلات الأسرى المفرج عنهم وأحضان ذويهم. لقد وفرت التهدئة والتوافقات وميضا في عتمة الأزمة القاتمة:
شهدت الأيام الأولى من أبريل/نيسان 2023 مداولات حول مرحلة انتقالية جرى تدوينها في مسودة يصعب الحكم عليها، كونها لم تصدر بعد، وما زالت قيد الدراسة والنقاشات، وقد تشمل تعديلات عديدة. وطبقا لما استوعبته "المجلة" عبر اتصالات مع مسؤولين وباحثين وبعض المطلعين، تتكئ المسودة على أساسين، هما: وقف النار، وبناء الثقة. ورغم أنهما لم يردا بهذه الصيغة، لكن "من دون أي من الأساسين سيتبخر حلم بناء السلام اليمني مجددا"، وفق قول سياسي يمني حذر من عودة الضبابية والتشاؤم.
ويتمثل أبرز الإجراءات المبكرة في وقف النار، وصرف الرواتب، وفتح الطرق البرية والبحرية والجوية اليمنية، وتشكيل لجان فنية لدمج البنك المركزي، إلى جانب عملية إصلاح اقتصادية بمساهمة سعودية.
أما "جوهرة" المرحلة الانتقالية، فستكون المفاوضات المباشرة، والإجابة على أهم سؤال يتخللها، وهو: "كيف يرى اليمنيون شكل الدولة ومضمونها".
"نسج"السلام
استغرق التمهيد للسلام اليمني، كثيرا من الجهود والرحلات المكوكية، وسيلا من النقاشات والحوارات، وقليلا من الخيبات التي رافقت كبرى المناسبات التي كانت قريبة جدا من تحقيقه.
اتخذت السعودية خطوة شجاعة باختيار السلام ودعمه. سبقت طرفي النزاع بخلق حال تهدئة إقليمية، واستفادت في الملف اليمني من التجارب العديدة التي لم يجد فيها الحل السياسي فرصة ليتنفس. اتجهت المملكة نحو الخانق الأساسي لأي عملية سياسية يمنية.
لم تنتظر الرياض أن يتراجع الحوثيون مثلما فعلوا في مشاورات الكويت عام 2016، والتي انتهت- بإيعاز إيراني- بعدم التوجه نحو السلام، بل اتجهت قبل أن ترسل وفدا برئاسة سفيرها لدى اليمن إلى صنعاء محمد آل جابر نحو "نسج" العملية السياسية برعاية صينية.
توجت الدبلوماسية السعودية اتفاق بكين بدفع الملف اليمني نحو مرحلة جديدة. صحيح أنها جاءت بعد الاتفاق الذي أعقب رحلة ماراثونية من المشاورات التي عقدت بتيسير من سلطنة عمان والعراق وبطلب من إيران أولا ثم أنجزت الاتفاق، لكنها أسهمت بشكل موازٍ في استمرار فتح أبواب الحل اليمني.
دفعت الرياض منذ عام 2018 باتجاه السلام في اليمن. واصلت دعم المسار الأممي، وفتحت قنوات خلفية للتحدث مع الحوثيين، وأطلقت مبادرة في مارس/آذار 2021 للحل السياسي في اليمن. وتحدثت مباشرة مع طهران.
كانت البرغماتية السعودية ملهمة للحكومة اليمنية وعامل تشجيع للحوثيين الذي يفضلون دائما القول في الاجتماعات المغلقة: "نحن نثق في المملكة".
نجحت مشاورات الرياض اليمنية، التي انعقدت تحت مظلة خليجية وحظيت بدعم إقليمي ودولي، إلى نقل السلطة ومعالجة المشاكل السياسية التي كانت تنخر جسد الشرعية وجميع مناهضي الحوثيين. وتشكل مجلس القيادة الرئاسي وترأسه الدكتور رشاد العليمي بعضوية 7 نواب من مختلف المناطق شمالا وجنوبا، وبمختلف قواهم؛ سياسية كانت أو عسكرية. وبات مناهضو الحوثيين أكثر تماسكا رغم كل التحديات التي واجهت رئيس المجلس، الذي استطاع مستندا على "التوافق والشراكة" من إبقاء الفرقاء متماسكين طيلة العام الماضي.