غزة: لا يتوقف موقف الشاعر الأخلاقي من مأساة الحرب، عند رصدها ووصفها، بقدر ما على تثبيت موقف من التجربة، يشتمل على الهوية والبراءة، والصوت الداخلي، وتثبيت الذاكرة على الورق، وهو ما أعطى شعر الحرب أهمية إضافية، إذ يتناول لحظة نوعية في حياة الإنسان، لحظة الخطر، والاقتراب من الموت الوشيك.
تجربة حيّة مع الحرب
وفي المنطقة العربية، تكرّرت طوال أجيال أحداث الحروب، وخضعت الشعوب في فلسطين وليبيا وسوريا والعراق واليمن والصومال والسودان والجزائر، لأقسى أشكال التجربة مع الفقد والموت جراء الحرب، وفي الفترة الأخيرة، تجدّد دخول الشعب السوداني في هذا النفق، وصارت التجربة الحية مع الحرب والموت والفقد، مصيرا مفروضا، بوزنه الثقيل، على الشعب السوداني.
وتبقى ثيمة الشعر، كتعبير إنساني نوعي، من أبرز الأدوات التي اتخذها الشعراء السودانيون، كي يقدموا انعكاسا نابعا من العمق البشري، يوازي وطأة أقدام الحرب على صدر الإنسان.
دراكولا
إن صفة داركولا التي تلازم هيئة الحرب، جعلت منها هيئة بغيضة، تنافي فكرة الحياة، بما تحمله من صفات وحشية، ومقدرة على امتصاص دم الأبرياء، وتشريد الآمنين، وانتهاك حرمات البيوت، بما في ذلك من سحق للمشاعر الإنسانية.
وقد أعطى الشعر السوداني الحرب صفات الوجه المشؤوم واللسان القاسي، بما تفرزه من امتصاص وحشي لدم الإنسان، وبما تسلبه من سلام وأمن. في هذا السياق يمضي الشعر لفضح الحرب، أو مؤاساة الناجين، ومنحهم القدرة على معاودة الحياة. حول هذا يكتب الشاعر السوداني عبد الوهاب محمد يوسف المعروف باسم عبد الوهاب لاتينوس:
"كلهم قتلة، يمارسون القتل المقدس، يمتصون دم الجميع
ببراءة أطفال،
لا سلام، لا أمن، الخراب هو كل ما تبقى".
وللمفارقة، فإن الشاعر الشاب عبد الوهاب لاتينوس قتل عام 2020 برصاص خفر السواحل الليبي، خلال محاولته الهجرة، بحسب تقارير صحافية.