توّجت أوكرانيا خلال الأسبوع المنصرم اختراقاتها للداخل الروسي بهجوم نفذته مسيّرتان استهدفتا قصر الكرملين. لا يختلف اثنان أنّ الأثر النفسي لنجاح المسيّرتين في بلوغ العاصمة الروسية رغم إسقاطهما، وتهديد الموقع الأول للقرار فيها يتجاوز بكثير المفعول الحربي الذي كان من الممكن تحقيقه. الحدث بحدّ ذاته ليس جديداً وهو ليس دليلاً على تفوّق تقني أوكراني أو قصورا في الإجراءات الروسية، إذ يكتسي هذا الهجوم أهمية أكبر، نظراً لاستهدافه موقع القرار السياسي وموقع رأس السلطة في العاصمة الروسية، بما يعنيه من النيل من السيادة، وهذا ما حدا بالبيان الروسي إلى اعتبار الهجوم "عملاً إرهابياً مخططاً، ومحاولة لاغتيال رئيس الدولة".
الأمثلة على اختراقات الطائرات دون طيار للمواقع الحساسة كثيرة رغم اختلاف طبيعة الأهداف والجهات التي تقف وراءها، ففي 27 ديسمبر (كانون الثاني) 2022 "اخترقت 5 طائرات مسيّرة تابعة لكوريا الشمالية المجال الجوي لكوريا الجنوبية ومن بينها طائرة حلقت فوق العاصمة سيول، وقد ردت كوريا الجنوبية بعد أيام بإرسال طائراتها المسيّرة إلى بيونغ يانغ". كذلك أغلقت السلطات في مطارات دبي يوم 28 ديسمبر (كانون الأول) 2016 المجال الجوي بسبب نشاط جوي غير مصرّح به لطائرة دون طيار وأعادت النظر بإجراءات الحظر الجوي المطبقة حول المناطق الحساسة، كما حلقت طائرة مسيّرة فوق البيت الأبيض يوم 27 يناير (كانون الثاني) 2015 وتحطّمت في فنائه دون أن تعلَن الأسباب والجهات التي تقف خلف ذلك الاختراق. وبصرف النظر عن الاستخدامات الميدانية المتعدّدة للطائرات دون طيار في مجالات الاستطلاع واكتساب الأهداف وتدمير المدرعات في حقل المعركة فإن تهديد مواقع القرار والبنى التحتية والأهداف عالية الثمن (High Value Targets) في العمق البعيد عن خطوط الاشتباك تبقى له دلالاته الخاصة.
وفي سياق تنوّع التهديدات الناجمة عن استخدام المسيّرات في هجمات تستهدف مراكز القرار والبنى الحساسة الاقتصادية والأمنية، يمكن توصيف استهداف الداخل الروسي بالتطور الخطير في الحرب، وبالتوازي فإنّ استخدام الجيش الأوكراني المكثف للطائرات المسيّرة يطرح أكثر من إشكالية حول دور المسيّرات في المسار العام للمواجهة العسكرية مع روسيا وعلاقته بالهجوم المعاكس الذي يتصدّر تصريحات الرئيس فلودومير زيلينسكي منذ أشهر والذي تداعت من أجله الدول الغربية ووضعت إمكاناتها العسكرية لإنجاحه.