نشأت في أميركا على فكرة أنني لا ريب أعيش في "أفضل" بلاد العالم. وقد تولّد عندي هذا اليقين من خلال المنهاج المدرسي، وعقدي مقارنة بين المكان الذي كنت أعيش فيه والتغطية الإخبارية الخاصة بالشرق الأوسط (وهذه سمة معتادة في معظم المنازل العربية الأميركية).
حفلت طفولتي في الولايات المتحدة بذكريات رائعة عن ارتياد الشاطئ، وأخذ دروس في العزف على البيانو وفي الرقص، ومشاهدة أفضل الأفلام وارتياد أفضل المنتزهات الترفيهية.
قبل أن يغادر والدي بيروت في سن الخامسة والعشرين، كان قد خَبِر بدايات الحرب الأهلية اللبنانية الطويلة والشاقة والتي استمرت 15 عاما. وكان يروي لي حين بلغت سن الرشد قصصا عن الفظائع التي شهدها، كإعدام الناس بالرصاص في وضح النهار.
زرت لبنان بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب الأهلية. وعلى الرغم من أنني كنت في التاسعة من عمري فقط، فإن ركام الأنقاض والقمامة في أماكن المباني ما زال يرتسم في مخيلتي على نحو جلي، أما ما تبقّى من تلك الأبنية فكان جميعها مشوّها بآثار القذائف والرصاص. لقد كانت تلك الزيارة بمثابة صدمة قوية وتناقض مدهش مع حياة الرغد والأمن التي كنت أعيشها في ولاية فلوريدا.
دأبنا، بعد تلك الزيارة، على زيارة لبنان كل بضع سنوات. وعلى الرغم من أنني كنت أستمتع دائما بزياراتي تلك، إلا أنني كنت حريصة على العودة إلى "أفضل" بلدان العالم.