يتشارك الرئيس الأسبق للاحتياطي الفيديرالي الأميركي، ألان غرينسبان، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه، أمورا كثيرة، أولها أن الاثنين نالا القدر الأكبر من الأوسمة والجوائز والتنويهات، تبعها القدر الأكبر من الملامات والاتهامات.
الاول، غرينسبان، لسياسته الضاغطة لابقاء معدلات فوائد منخفضة بهدف دعم الحكم، وأملا بتجديد ولايته، ما شجع شرائح واسعة من متدني ومتوسطي الدخل على الاستدانة لشراء المساكن، وشجع المصارف، التي منحتهم القروض، على تسنيد هذه القروض وترويج صكوك التسنيد حتى خارج الحدود. إلى أن دفعت الظروف الى ضرورة رفع الفوائد، فتعذر على المقترضين سداد ديونهم، وكانت أزمة الرهونات العقارية التي هزت مآسيها الولايات المتحدة الأميركية ودولا أوروبية والعالم أجمع.
الثاني، سلامة، لاعتماده آلية "بونزي" (Ponzi Scheme) في استجرار العملات الاجنبية من المصارف في مقابل معدلات فوائد مغرية بهدف تمويل احتياجات قطاع عام فاسد ومتعسر، ولتثبيت سعر صرف زائف، بغية توكيد دعم القوى السياسية له في معركة رئاسة الجمهورية. انطلق الأمر مع تقلص الموارد الدولارية بسبب الثورة السورية والحروب والأحداث التي تلتها، وضمور تحويلات اللبنانيين العاملين في منطقة الخليج نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية بفعل تراجع أسعار النفط. فكان من الملحّ الركون إلى هندسات مالية خاصة مع المصارف لتخطي الامر، زادت احتياطات مصرف لبنان بالعملات الاجنبية في مقابل فوائد مجزية تلقتها المصارف منه.
مع بداية ولايته الخامسة، انفجرت الأزمة، وكشف التوقف عن سداد مستحقات الـ"يوروبوندز" عن فجوة كبيرة في حسابات مصرف لبنان تناهز الـ 70 مليار دولار لمّح إليها سابقا عددٌ من التقارير، وذكّرت بفجوة برنار مادوف التي كشفت عنها أزمة الرهونات العقارية الأميركية عام 2008.
ثم أدى تعسر الحكومة في الوفاء بالتزاماتها بالعملات الاجنبية تجاه مصرف لبنان الى تعسر الأخير تجاه المصارف، فتعسرت الأخيرة في رد الودائع لديها الى أصحابها، ليسقط الوطن في أتون انهيار مالي مريع.
دور مصرف لبنان
ستُدرَّس الأزمة الاقتصادية اللبنانية لطلاب الجامعات باعتبارها الأولى في تاريخ الأزمات المالية والمصرفية والنقدية في العالم، التي يكون مسببها الأساسي المصرف المركزي. صحيح أن المراقبين يتحدثون عن دور للاحتياطي الفيديرالي في كساد عام 1929، لكنه ساهم في تفاقم الأزمة بعد اندلاعها لا التسبب بها أو التأسيس لها، وذلك عند إحجامه عن مد المصارف بالدعم المناسب والسريع.
ونتذكر ما قاله الممثل الجمهوري لولاية بنسلفانيا الأميركية في مجلس النواب، لويس توماس ماكفادن، خلال جلسة للمجلس عقدت بتاريخ 10 يونيو/حزيران 1932، لمناقشة دور الاحتياطي الفيديرالي ومسؤوليته، أن هذا الأخير "من أكثر المؤسسات الفاسدة التي عرفها العالم. فقد أفقر شعب الولايات المتحدة ودمره، وأفلس نفسه، وهو على وشك إفلاس حكومة البلاد. لقد فعل ذلك من خلال الثغر الموجودة في القانون الذي يعمل مجلس إدارته بموجبه، ومن خلال الممارسات الفاسدة للصقور الذين يسيطرون عليه".