أول لقاء بين أمين عام حزب الله والرئيس سعد الحريري بعد اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري كان في قصر قريطم في مدينة بيروت. بعد تلاوة باقة من الأيات القرآنية والموعظات الدينية قدم أمين عام حزب الله تعازيه لعائلة الحريري الأب في اغتيال شريكه الأساس في صناعة القرار السياسي اللبناني بجانب رئيس مجلس النواب نبيه بري.
لم يكن قد أختير الحريري الابن لقيادة العمل السياسي بعد. لكنه كان أكثر أبناء الرئيس رفيق الحريري معرفة بدور دولة الظل. والعكس صحيح. لأجل ذلك سلم لسعد الحريري قيادة ما يسمى بالماكينة الحريرية. وهي عبارة عن شبكة واسعة من العلاقات والمصالح خارج الدولة اللبنانية الرسمية والتي أمامها الأن تحدي تثبيت موقعها في السلطة.
في ساحة الشهداء في وسط بيروت كانت الصورة مختلفة تماما. الحشود تجتمع للتظاهر. والخطابات السياسية ترتفع مستقطبة. سادت حالة استقطاب عظيمة شحنت كل الشعب اللبناني بكل أحزابه وانتماءاته وطوائفه حتى انقسم لبنان عاموديا بين فريقين سياسيين متقابلين. يكاد يجزم المراقب أنذاك أن ما بين الفريقين بحر هائج لا يجمعهما لا جغرافيا ولا تاريخ ولا حتى مصير مشترك.
هدأت الساحات. أفاق الجمهور أمام واقع يناقض خطاب الانقسام بين أهل السلطة. جاءت الفكرة بعد ان بدأت المحركات السياسية لدولة الظل بالعمل. على الفور طفى على السطح معالم تفاهم ما أمام الرأي العام. تسأل الناس كيف للنائب وليد جنبلاط الأب الروحي لحركة ١٤ أذار وسعد الحريري أن يجتمعا في تحالف انتخابي مع أمين عام حزب الله الأب الروحي لفريق ٨ أذار وصاحب مقولة "شكرا سوريا"؟
الجواب لا يكمن في القدرة المذهلة لدى السياسيين اللبنانيين في الإزدواجية وتدوير الزوايا. وإن كانت واسعة هذه القدرة بسبب ضعف الدولة. السر هو في الحلف الرباعي ٢٠٠٥ الذي جمع حركة أمل بقيادة الرئيس نبيه بري، حزب الله بقيادة أمينه العام، والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط وتيار المستقبل بقيادة الرئيس سعد الحريري و(القوات اللبنانية).