آلية صناعة القرار السياسي في لبنان: دولة التحالف الرباعيhttps://www.majalla.com/node/290751/%D9%88%D8%AB%D8%A7%D8%A6%D9%82-%D9%88%D9%85%D8%B0%D9%83%D8%B1%D8%A7%D8%AA/%D8%A2%D9%84%D9%8A%D8%A9-%D8%B5%D9%86%D8%A7%D8%B9%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A7%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%AD%D8%A7%D9%84%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B1%D8%A8%D8%A7%D8%B9%D9%8A
أول لقاء بين أمين عام حزب الله والرئيس سعد الحريري بعد اغتيال الشهيد الرئيس رفيق الحريري كان في قصر قريطم في مدينة بيروت. بعد تلاوة باقة من الأيات القرآنية والموعظات الدينية قدم أمين عام حزب الله تعازيه لعائلة الحريري الأب في اغتيال شريكه الأساس في صناعة القرار السياسي اللبناني بجانب رئيس مجلس النواب نبيه بري.
لم يكن قد أختير الحريري الابن لقيادة العمل السياسي بعد. لكنه كان أكثر أبناء الرئيس رفيق الحريري معرفة بدور دولة الظل. والعكس صحيح. لأجل ذلك سلم لسعد الحريري قيادة ما يسمى بالماكينة الحريرية. وهي عبارة عن شبكة واسعة من العلاقات والمصالح خارج الدولة اللبنانية الرسمية والتي أمامها الأن تحدي تثبيت موقعها في السلطة.
في ساحة الشهداء في وسط بيروت كانت الصورة مختلفة تماما. الحشود تجتمع للتظاهر. والخطابات السياسية ترتفع مستقطبة. سادت حالة استقطاب عظيمة شحنت كل الشعب اللبناني بكل أحزابه وانتماءاته وطوائفه حتى انقسم لبنان عاموديا بين فريقين سياسيين متقابلين. يكاد يجزم المراقب أنذاك أن ما بين الفريقين بحر هائج لا يجمعهما لا جغرافيا ولا تاريخ ولا حتى مصير مشترك.
هدأت الساحات. أفاق الجمهور أمام واقع يناقض خطاب الانقسام بين أهل السلطة. جاءت الفكرة بعد ان بدأت المحركات السياسية لدولة الظل بالعمل. على الفور طفى على السطح معالم تفاهم ما أمام الرأي العام. تسأل الناس كيف للنائب وليد جنبلاط الأب الروحي لحركة ١٤ أذار وسعد الحريري أن يجتمعا في تحالف انتخابي مع أمين عام حزب الله الأب الروحي لفريق ٨ أذار وصاحب مقولة "شكرا سوريا"؟
الجواب لا يكمن في القدرة المذهلة لدى السياسيين اللبنانيين في الإزدواجية وتدوير الزوايا. وإن كانت واسعة هذه القدرة بسبب ضعف الدولة. السر هو في الحلف الرباعي ٢٠٠٥ الذي جمع حركة أمل بقيادة الرئيس نبيه بري، حزب الله بقيادة أمينه العام، والحزب التقدمي الاشتراكي بقيادة وليد جنبلاط وتيار المستقبل بقيادة الرئيس سعد الحريري و(القوات اللبنانية).
سادت حالة استقطاب عظيمة شحنت كل الشعب اللبناني بكل أحزابه وانتماءاته وطوائفه حتى انقسم لبنان عاموديا بين فريقين سياسيين متقابلين. يكاد يجزم المراقب أنذاك أن ما بين الفريقين بحر هائج لا يجمعهما لا جغرافيا ولا تاريخ ولا حتى مصير مشترك.
كانت الطبقة الحاكمة رشيقة. سريعة التنظيم. قادرة على تغيير اللافتات السياسية (الثامن والرابع عشر من آذار)، وتنفيذ انتخابات نيابية عام 2005، وتنظيم انتشار أسلحة مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وتعيين رئيس وزراء جديد وهو فؤاد السنيورة وحكومة جديدة مع بيان وزاري يعكس روح الحلف، وفوق كل ذلك الحفاظ على انقسام عامودي حاد (8 و14 آذار).
مع اعتماد خطاب سياسي متوافق مع الصراع الإقليمي المستمر لدى كل فريق. ببساطة، كانوا قادرين على تغيير مواقفهم السياسية، ولكن ليس ممارستهم السياسية بسبب الغموض الخلاق لما يسمى بالديموقراطية التوافقية.
وعلى سيرة الجغرافيا جاء انضمام حزب القوات اللبنانية الى الحلف الرباعي استنادا الى شعار ال"١٠،٤٥٢كلم" لصاحبه رئيس الجمهورية السابق رئيس حزب القوات اللبنانية بشير الجميل. سجل هذا الانضمام بتمريره ذكية من فريق الرئيس سعد الحريري لشريكه في الحلف الرباعي حزب الله الذي بدوره تداولها لترويج لبنانية مزارع شبعا. حيث أن شعار القوات أعلاه لا يكتمل بدون احتساب المزارع من ضمنها.
في هذه المقالة أتحدث عن آلية صناعة القرار السياسي في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005) وحتى اتفاق الدوحة (2008). هي المدة الزمنية التي كان "الحلف الرباعي" رديفا للوصاية الدولية التي استبدلت بالوصاية السورية. وهو الحلف الذي لم يكتب له الحياة طيلة المدة المذكورة أعلاه في ظل الانقسام الإقليمي الكبير. تنبع أهمية هذه الفترة من جهتين: نهاية الوصاية السورية والفراغ في السلطة الناتج عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
عندما خرجت كلمة السر من قلب أوروبا: "الانتخابات الآن" اجتمع الفرقاء اللبنانيون على عادتهم في إدارة الاستحقاقات الدستورية من خلال التفاهم خارج الدولة وفي ظلها. ساهم انسحاب الجيش السوري من لبنان في دفع الأحزاب الأربعة + حلفهم الجديد. فقد استولد الفراغ المتنامي في دولة الظل وصاية جديدة اسمها الحلف الرباعي.
عدة اتفاقيات أو محاولات لترميم الحلف الرباعي تلاحقت بين أربعة أحزاب سياسية أنتجت أربع حكومات وحدة في لبنان بين عامي 2005 و2008. ناهيك عن حرب أهلية قصيرة المدة والمعروفة بأحداث السابع من أيار 2008 عند غزو حزب الله لمدينة بيروت. كل هذا والانقسام العامودي بين اللبنانيين كان على أشده بين فريقي ١٤ أذار و٨ أذار وكل ما يرافق هذا الانقسام من خطابات متقابلة عالية السقف. لكن القصة من تبدأ من القرار الأممي ١٥٥٩.
أول امتحان خاضته الأحزاب الأربعة كان تداعيات القرار الأممي ١٥٥٩ على ممارستهم السياسية. وقد تبنى أعضاء هذا التحالف فهمهم الخاص لهذا القرار لإدارة الاستحقاقات الدستورية. ظنا منهم أن القرارات الأممية يمكن تجزئتها. جاء هذا الفهم بناء على الاتفاق الأساس الذي جرى بين الرئيس رفيق الحريري والأمين العام لحزب الله غداة صدور القرار. ثم جاء حسب التأكيد من قبل الرئيس سعد الحريري بالتزامه نهج أبيه السياسي.
تطلب تفسير قرار الأمم المتحدة من قبل الأحزاب الأربعة ثلاثة أهداف. الأول كان المطالبة بانتخابات قادمة حرة وشفافة لرئيس جديد خلفا للرئيس أميل لحود. ثانياً، انسحاب جميع القوات العسكرية الأجنبية. بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الجنوب اللبناني المحتل (2000)، كان الجيش السوري هو الوحيد الموجود في لبنان. وثالثاً، الدولة هي الحاجز الوحيد للسلاح والسلاح كان حزب الله ولا يزال يعرض السلاح إلى جانب عدة فصائل فلسطينية تحمل أسلحة خفيفة.
شكل القرار إعلانًا من المجتمع الدولي بأن الممارسة السابقة المتفق عليها لدولة الظل باطلة مما يجعل رواية "الديمقراطية التوافقية" منتهية الصلاحية. ومع ذلك، سارعت النخبة الحاكمة في التصرف والتصدي للتحديات التي تواجه موقعهم كقادة سياسيين.
بينما كانت الدولة تنتظر توجيهًا من النخبة الحاكمة للرد، والذي بدوره يصف دور كل منهما في عملية صنع القرارات والسياسات. استمرت دولة الظل الذي تديره النخبة الحاكمة بممارسة تفسيرها للقرار الأممي على الرغم من الآثار المترتبة على عدم الامتثال لقرار الأمم المتحدة. تم التمديد للرئيس الحالي اميل لحود بالإجماع من قبل مجلس النواب. خطوة اعتبرت متأثرة من قبل الحكومة السورية. أما دمشق، من وجهة نظرها، وقفت معارضة للقرار الأممي الذي تحركه أميركا وإسرائيل.
كشفت تداعيات قرار الأمم المتحدة 1559 (2004) واغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 دولة الظل والتوازن الدقيق في ممارسة الحكم. ناهيك عن التحدي في كيفية حكم لبنان بين عامي 2005 و2008.
دولة الظل في لبنان
كشفت تداعيات قرار الأمم المتحدة 1559 (2004) واغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط 2005 دولة الظل والتوازن الدقيق في ممارسة الحكم. ناهيك عن التحدي في كيفية حكم لبنان بين عامي 2005 و2008. أساسا فرضت عملية سد الثغرات نفسها كإشكال من زاوية التوازن عند انسحاب الجيش السوري. وتم تداولها إعلامياً عند المساءلة عنها من البطريرك نصر الله بطرس صفير الذي أُلبس صفة أحد عرّابي اتفاق الطائف، فالهاجس التوازني مسألة ملازمة لنشأة «الطائف» وأهله.
الكل يتذكر كيف كان النواب المسيحيون عند كل مفصل من المفاوضات في مدينة الطائف يطلبون من النواب المسلمين عدم الحكم على الدستور من خلال عهد الرئيس أمين الجميل وممارسته. ألف سيناريو وسيناريو للفوضى والشلل، ففي خضم تنامي الفجوات الفاضحة، تطورت الإشكالات ذاتها لتنقل الصراع إلى شكله الوظائفي، من شرعية الحكومة، ونصاب انتخاب رئيس الجمهورية، وصولاً بعد الانتخابات النيابية حول تسمية رئيس الحكومة إلى أزمة التكليف دون التأليف. من الواضح أن هذه الثغرات لم تترك للدستور أو الأعراف السياسية للاحتكام، بل لضابط إيقاع خارجي يشرف على الانتظام.
فعلياً، أخرجت آلية عمل وثيقة الوفاق الوطني مطبخ صناعة القرار من المؤسسات الرسمية والنظامية إلى نظام ظل يعمل من خلال شخصيات معينة، وفي صالونات خاصة تسعى للمناورة تارة وللتفاوض تارة أخرى إلى أن يتم التوافق. عندها تُدرج المقررات المتفق عليها في جدول الأعمال للتصويت داخل مجلس الوزراء. حكم لبنان شيء والنخبة الحاكمة في لبنان شيء آخر.
إن "سردية كيف يحكم لبنان" سيطر على الخطاب السياسي والإعلامي خلال الفترة ما بين 2005 و2008. معها غاص الرأي العام في بحر من المقالات والمقابلات التلفزيونية تشرح وتفسر أليات حكم لبنان الدستورية والقانونية. مثلا ساد نقاش حول الأغلبية التي يملكها فريق ١٤ أذار في المجلس النيابي وبالتالي قدرته على صنع السياسيات والتشريعات. لكن من وجهة نظر أعضاء الحلف الرباعي امتلاك الأغلبية في مجلس النواب اللبناني و / أو مجلس الوزراء لا يعني امتلاك القدرة على تطوير أو صناعة السياسات.
روتين التعقيدات
يوصف الرئيس فؤاد السنيورة بشخص تنضح البيروقراطية منه بشكلها السلبي، وهو ما كان غالباً الرئيس رفيق الحريري يلجأ إليه داخل مجلس الوزراء للمناورة والتمويه. تكفي إشارة من الحريري إلى السنيورة يقوم عندها الوزير بضرب أحد البنود المقررة في جلسة مجلس الوزراء بوابل من التعقيد النظامي تجعله مجمداً عن التصويت.
جلسة جلستان وحتى ثالثة تطير إلى أن يتم إبلاغ الحريري باتفاق جميع القوى السياسية من خارج مجلس الوزراء ومن طريق المستشارين. تعقد الجلسة الرابعة مع استمرار تحفظ السنيورة وسط استغراب الأعضاء الباقين. بتململ واضح، يتساءل الحريري عن هذا التصرف، فيجيبه السنيورة بأنه يعمل وفق قناعاته. بنبرة رئيس لمرؤوس يرد الحريري: «اترك قناعاتك واعمل واجباتك».
بعيداً من الأسطورة ومن السياق ذاته، يتضح أن الرئيس رفيق الحريري لم يمارس دوره كرئيس لمجلس الوزراء من خلال النظام الرسمي فقط، بل كانت غالبية حركته السياسية تدور في منظومة سياسية تعمل بإدارة سورية ومباركة إقليمية على سد الثغرات.
وسط الحملة الانتخابية الأخيرة للرئيس رفيق الحريري ومساعيه لاستكمال تحالفه مع "حزب الله"، قدم الحريري طلبًا صريحًا للسيد حسن نصر الله: "عند تشكيل الحكومة أرغب في الحصول على ثلث مقاعد مجلس الوزراء". بدهشة واضحة تساءل الأمين العام للحزب عن مغزى هذا المطلب فأجاب الحريري "حتى أتفادى معارضة وزراء لحود وبري داخل الحكومة." محطة أخرى، خاصة عندما شكل الرئيس سعد الحريري حكومته في ٢٠٠٩ مع إصرار قوى "8 آذار" على الثلث، ذكر السيد نصر الله في شرحه لهذا المطلب: "شكراً لوالدك الراحل الذي أظهر لنا النصاب في الحكومة للقرارات الأساسية".
لطالما كان الإجماع سمة بارزة في ممارسة السلطة من قبل النخبة الحاكمة. هو حجر الزاوية في أي سياسة أو اتفاق للدولة. وهكذا، فإن الاضطرابات المدنية بين عامي 2005 و2008 خلقت من قبل الطبقة الحاكمة نفسها من خلال استخدام دستور الدولة والأدوات التي تمكنت هذه النخبة من الحفاظ على مكانتها كجزء من الطبقة الحاكمة.
لبنان الدولة، مثل العديد من دول ما بعد الاستعمار، تحكمها طبقة سياسية متمرسة في تدوير الزوايا. لكن لهذه الطبقة تحديدا القدرة على امتصاص أزمات وتناقضات إقليمية ودولية كبرى وإعادة بثها من خلال دولتها الضعيفة على شكل انتخابات وحكومات وخطاب إعلامي وسياسات عامة.
دولة متمرسة في تدوير الزوايا
لبنان الدولة، مثل العديد من دول ما بعد الاستعمار، تحكمها طبقة سياسية متمرسة في تدوير الزوايا. لكن لهذه الطبقة تحديدا القدرة على امتصاص أزمات وتناقضات إقليمية ودولية كبرى وإعادة بثها من خلال دولتها الضعيفة على شكل انتخابات وحكومات وخطاب إعلامي وسياسات عامة.
تتبع ألية صناعة القرار اللبناني يكشف الغطاء الذي ألبس الدولة اللبنانية منذ استقلاله. يكشف زيف الغطاء الإعمار والاقتصاد وغيرها من سرديات يتم تداولها عن العلاقة بين الدولة والطبقة الحاكمة في لبنان. كان كل حزب قد وضع نفسه وفقًا لتحالفه مع أصحاب المصلحة الإقليميين. علاوة على ذلك، فإن الأحداث الكبرى في المنطقة ستضغط على قدرة صنع السياسات لأطراف الاتفاقية. عليه اتفقت الأطراف الأربعة في الاتفاق على أنه يجب أن تتوصل جميع الاتفاقيات الدولية إلى توافق قبل المصادقة عليها من قبل الحكومة.
جاء الاتفاق الرباعي في مكانه مع ثلاثة أركان للاتفاق بين الأطراف الأربعة. أولاً، يجب مناقشة جميع القرارات / السياسات بين الأطراف الأربعة قبل إرسالها إلى هياكل الدولة لوضع السياسات والإنتاج. كانت هذه هي الممارسة التي اتبعها رفيق الحريري خلال فترة توليه رئاسة الوزراء واتفقت جميع الأطراف على الاستمرار في تلك الآلية.
ثانيًا، الدخول في ائتلاف للانتخابات ينتج الأغلبية لحكم لبنان معًا بين الأحزاب الأربعة. ثالثًا، سلاح حزب الله قوة مقاومة ولن تتم مناقشته / التفاوض بشأنه "حتى ينتهي الصراع مع إسرائيل إما بالسلام أو بنهاية دولة إسرائيل". علاوة على ذلك، أوضح هذا الاتفاق كيف أن تقاسم السلطة هو عملية تبدأ خارج الحكومة وهياكلها. وشدد على قدرة دولة الظل على استخدام الشارع كما يطلق عليه الإعلام اللبناني بحجة الحقوق الطائفية.
كان الاتفاق تحالفاً يستند إلى ممارسة الحكم أعلاه. من الانتخابات النيابية لعام 2005 إلى اختيار مرشحي رئيس الوزراء، تمت إدارة مجلس الوزراء وتعيين المناصب الأمنية العليا وصولاً إلى السياسات الاقتصادية من خلال الاتفاق المذكور. وخضعت جميع جوانب شؤون الدولة للاتفاق على الرغم من الخطاب الخلافي للطبقة الحاكمة نفسها. كذلك ضمن هذا الحلف التدفق المالي من قبل اللاعبين الإقليميين والدوليين إلى الاقتصاد اللبناني. وفي الغالب تمت إدارة عملية التفاوض بين الطبقة الحاكمة من قبل أشخاص لا يشغلون مناصب حكومية. عقدوا اجتماعاتهم في أماكن خاصة وأنتجوا تفاهمات على سياسات وقرارات عامة ليتم إدخالها الى أروقة الدولة.
في أوقات الخلاف بين أعضاء هذا "الاتفاق الرباعي"، تم استخدام الشارع للتأثير على صنع السياسات. لم يكن القصد تقويض الدولة، ولكن التأثير على أعضاء النخبة الحاكمة. وعند حدوث اضطرابات مدنية أو وقوع حادث أمني، يتم طرح سؤال مألوف من قبل النخبة الحاكمة: لمن منا يتم توجيه هذه الرسالة؟ يمكن تتبع العقلية المشتركة بين جميع أعضاء النخبة الحاكمة من الصحافة المحلية وما يرتبط بها من النخبة الحاكمة.
تعرضت الممارسة هذه الى مطبات عديدة. لكن الاتفاق لم يسقط فجأة. بل مر بتحديات متسلسلة أدت إلى زواله. في حين أن الحادثة الأولى التي أدت إلى الخلاف بين الأحزاب الأربعة كان الخلاف على المرشح الذي سيتم تعيينه في منصب المدير العام للأمن العام خلفا للواء جميل السيد. توقف العمل ب "الاتفاق الرباعي" بتأييد حكومة السنيورة للمحكمة الدولية المشكلة حديثًا لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. كان انهيار الاتفاق نفسه في نهاية عام 2005 يشير إلى انهيار صنع السياسة وليس الدولة، وبالتأكيد لم يعني انهيار الطبقة الحاكمة. هذا بدوره يشير إلى أن استقرار لبنان وأمنه يبدأ بالطبقة الحاكمة وينتهي بالدولة وليس العكس.
توالت الأحداث مع بروز الاختلافات أكثر فأكثر. واتسعت الهوة بين الأحزاب الأربعة. فيما أصرت الأطراف الأربعة مواصلة النقاش خارج الدوائر الحكومية للتوصل إلى توافق في الآراء. منها محطة اتفاق الرياض برعاية سعودية وغياب الطرف الرابع الحزب التقدمي الاشتراكي. المحطة التي لم يكتب لها الحياة حيث تم دفنه على الفور. تلاها طاولة الحوار وجلسات عديدة لم تثمر في إعادة بث الروح في الحلف الرباعي مجددا. ومع ذلك، فإن هذه النوايا كان لها ضمير ظاهر وأخر مستتر. النوايا كانت جزءًا من الصراع الإقليمي المتصادم وانعدام الشفافية بين أعضاء دولة الظل في تصاعد، حولت الاتفاقية إلى عبء.
في أوقات الخلاف بين أعضاء هذا "الاتفاق الرباعي"، تم استخدام الشارع للتأثير على صنع السياسات. لم يكن القصد تقويض الدولة، ولكن التأثير على أعضاء النخبة الحاكمة. وعند حدوث اضطرابات مدنية أو وقوع حادث أمني، يتم طرح سؤال مألوف من قبل النخبة الحاكمة: لمن منا يتم توجيه هذه الرسالة؟
اجتمع الوزير بهيج طبارة، وزير عدل الرئيس رفيق الحريري والنائب عن تيار المستقبل، مع المعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل لمناقشة مسودة المحكمة الدولية المزمع انشائها. جاء هذا اللقاء بناء على أحد أركان الحلف الرباعي ألا وهو مناقشة القرارات الدولية خارج مجلس الوزراء والتفاهم حولها قبل عرضها للتصويت.
اتفق المجتمعون على حاجتهم للوقت لمراجعة قياداتهم على أن يتم اللقاء بعدها. غير أنه بعد عدة أيام تم اغتيال الصحافي جبران تويني. مما دفع برئيس الحكومة فؤاد السنيورة الى إرسال الموافقة الرسمية للحكومة اللبنانية على إنشاء المحكمة الدولية من دون التوافق عليها بين الأحزاب الأربعة، وهو ما أدى الى استقالة وزراء حركة أمل حزب الله من الحكومة والدخول في مرحلة الترميم.
الاتفاقات قابلة للنزاع عند وضعها موضع التنفيذ. تحديدا الاتفاقات المبنية على الممارسة تكون حساسة بشكل خاص. تخضع هذه الاتفاقات لعناصر لا علاقة لها بتفسير النصوص. فقد استند الاتفاق الرباعي على وجه التحديد إلى القاسم المشترك بين الأطراف المتنازعة، وبالتالي افتقر إلى إطار زمني لتنفيذ جميع السياسات المتفق عليها. إضافة الى ذلك أثار الحلف الرباعي سخط المجتمع الدولي ممثلا بسفيري الولايات المتحدة وفرنسا في لبنان. عندها ترك الدستور ليتم تعريفه بالبلاغة السياسية المطاطة والقرارات الأممية تارة وبالحرب تارة أخرى.
اليوم لا يمكن القفز من فوق الحلف الرباعي لفهم العلاقة بين هياكل الدولة اللبنانية والنخبة السياسية الحاكمة. العلاقة المراوغة التي استغلت من قبل النخبة الحاكمة. شلل كل من البرلمان والحكومة هو نتيجة الخلاف بين أعضاء الطبقة الحاكمة في الاتفاق وليس عيبًا دستوريًا وقانونيًا فقط. كانت كل من الأدوات الديموقراطية والآليات التوافقية عرضة لتحديات مستمرة وتعرجات سياسية أيدت الرواية المشتركة بأن لبنان دولة يحكمها زعماء طائفيون، وأن الطائفة عبارة عن بوابة دخول الى نادي الطبقة الحاكمة وليست وسيلة للحكم فقط. على العكس من ذلك، لولا الحلف الرباعي لما انضم الحريري الابن إلى الطبقة الحاكمة.
إن الاتفاقات بين أربعة قادة / أحزاب سياسية رئيسية، على الرغم من مواقفهم المتضاربة في الصراع الإقليمي، تؤكد قدرة الطبقة الحاكمة على استخدام الدستور والقوانين تجاه صنع السياسات داخل الدولة. في دولة التحالف الرباعي هناك طريق واضح لألية صناعة القرار، تبدأ من دولة الظل عبر القنوات التي اختارتها النخبة الحاكمة وليس من خلال طرق تمثيل الجمهور.
كانت الأحزاب الأربعة نشطة في نظام الظل وممثلة في مناصب الدولة، باستثناء حزب الله الذي كان حاضراً في البرلمان فقط، ولكن لم يكن في مناصب حكومية أخرى في تلك الفترة. سوف يغير الاتفاق الرباعي هذا. نقطة تحول استراتيجية في رحلة حزب الله السياسية إلى الدولة.