يدخل الصراع على السلطة في السودان أسبوعه الثالث، وتؤكد دموية القتال والاستماتة في السيطرة على مواقع القيادات العسكرية وعلى المؤسسات والبنى التحتية الرسمية في العاصمة الخرطوم والمدن المحيطة بها أن إمكانية العودة إلى حالة التعايش بين الفريقين ضمن أي معادلة سياسية لم تعد ممكنة. يحاكي الموقف الحالي في السودان ما أورده ويلو بيردج وألكس دي وال وجاستن لينش في كتابهم "ديمقراطية السودان غير المنجزة" (Sudan’s Unfinished Democracy) الصادر في أبريل/نيسان 2022. يروي الكتاب قصة الثورة السودانية منذ العام 2019 وكيف نجحت في إسقاط حكم الرئيس عمر البشير، وكيف كان المحتجون يأملون في حدوث تحول شامل في السياسة السودانية لكنهم وجدوا أنفسهم في صراع مع مجموعة من الجنرالات يهيمنون على الاقتصاد بشكل قوي ومدعومين إقليمياً ودولياً.
الرجلان المتصارعان، الفريق أول عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) هما نتاج الهندسة التي ابتكرها البشير للقوات المسلحة، وركني نظامه، ولا يمكن لأي منهما ادعاء حماية الديمقراطية، حيث لكل من الجنرالين شبكة دولية خاصة به، ولدى كل منهما عشرات الآلاف من المقاتلين والداعمين الأجانب والثروات المعدنية والموارد الأخرى بما يكفي لإطالة أمد الحرب وتحويلها إلى حرب بالوكالة تلاقي الصراعات الدائرة في سوريا وليبيا وأثيوبيا.
في نتائج المواجهة الميدانية
الوقائع الميدانية على امتداد الأسبوعين المنصرمين وتركيز المواجهات في مدن محافظة الخرطوم- بما لا يسمح للجيش باستخدام القدرات الجوية والأسلحة الثقيلة المتوافرة بشكل فعال تجنباً لخسائر كبيرة في صفوف المدنيين- لن تتيح أية إمكانية لتحقيق نجاحات ميدانية تُفضي إلى تغيير ميداني حقيقي وتثبيت معادلة سياسية جديدة. كما أن فشل النداءات الداخلية والعربية في التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار يؤكد أن الظروف الملزمة لذلك لم تتوفر بعد.
والجدير بالذكر أن نجاح الهُدن التي جرى التوصل إليها ارتبط بعمليات الإجلاء التي قامت بها السفارات العربية والغربية لرعاياها وليس بالاستقرار والأمن الذي يجب أن يسعى إليهما كل من الفريقين تلبيةً لحاجات المواطنين أو بغية البحث عن مخارج للأزمة. وفي هذا الإطار فإن ما توفر من معلومات حول قبول الطرفين إرسال ممثلين عنهما للتفاوض لن يُفضي سوى إلى تكريس خطوط تماس دائمة داخل المدن تهدأ مع التوصل إلى هُدن مؤقتة أو اتفاقات لوقف إطلاق النار وتشتعل من جديد عند توفر عناصر موجبة للتوتر، وهذا ما سيؤدي إلى تثبيت انقسام سياسي طويل الأمد يستفيد منه الفريقان في تقاسم مكاسب الدولة وثرواتها ويتم استثماره خارجياً في السياسة والاقتصاد وفقاً لتحالفات كل من الفريقين.