إمبراطور روما فيليب العربي

إمبراطور روما فيليب العربي

نتساءل دائما من هو "فيليب العربي" إمبراطور روما، وكيف لعربي أن يحكم روما في القرن الثالث الميلادي، ونستفهم حول هذه الأسئلة، لعل أسفارها شيقة تهب الأسرار لمتلقي اليوم الذي يطرح قضايا سياسية فيها من الهزيمة والإرباك الكبير، ولعل الإمبراطور فيليب العربي يكسر هذه الأسيجة وإن كانت من الماضي الذي نرفض كعرب نسيانه سواء لفتح أبواب العِبَر، أو بدهشة من حنين.

بحثتُّ طويلا في المصادر الإيطالية حول إمبراطورهم العربي فيليب، وبالأخص في الموسوعة الإيطالية للعلوم والآداب والفنون الشهيرة بموسوعة "لاتريكاني" حيث يرد أن فيليب أرابو أو "فيليبو بوليس" ولد حوالي 204م في الشهبا السورية، وكان والده عربيا وشيخ عشيرة، يدعى "خوليو مارينو" حصلت عائلته على الجنسية الرومانية في عهد الإمبراطور جوليا، وتزوج فيليب من "مارسيا أوتاسيليا سيفيرا" وأنجب منها ابنا.

لاحظوا هنا الأسماء التي وردت كلها رومانية الطابع ولم تُكتب بصياغة عربية، وهذا ورد في كل التاريخ الروماني عن العرب وغيرهم، وهي طريقة الكتابة لأي اسم عربي أو شرقي، حين كانت المناطق ضمن الإمبراطورية الرومانية، مثلما كتب مكسيموس عروة، وأريثاتوس الحارث، و"منعموس" منعم، و"كايوس" قيس، و"يوسيفوس" يوسف، وبطرس ثم بيتر وبيترو، الآتي من الأبتر والباتر... وفي علم الأسماء ومعانيها، فيليب اسم كلاسيكي أتى من الشرق الفينيقي إلى اليونان عندما كانت الخيول جزءا حيويا من الحياة، وأصله فارس أو فرس الذي أصبح فيليب وفليبس وفليبو، ليضيفوا الواو والسين نهاية كل اسم ومفردة، ولن نمضي طويلا في هذا الأمر، لأنه بحاجة إلى مراجعة وتدقيق طويلين، وما يعنينا هنا عشيرة هذا الإمبراطور العربي، فبلا شك أنها كانت ذات مكانة في الشهبا حيث حوران والعشائر العربية.

اقرأ أيضا: نحن لا نعرف السودان

تذكر الموسوعة الإيطالية للعلوم والآداب والفنون الشهيرة بموسوعة "لاتريكاني" أن فيليب أرابو أو "فيليبو بوليس" ولد حوالي 204م في الشهبا السورية، وكان والده عربيا وشيخ عشيرة

  المؤرخ السوري تيسير خلف، له كتابات في هذا الشأن، بأن فيليب العربي من الشعب الإيطوري، وهم شعب عربي بإجماع المؤرخين والباحثين الغربيين المعاصرين، ظهروا قبل ولادة فيليب بخمسة قرون على ساحة التاريخ، أي مع وصول الإسكندر الأكبر إلى صور لبنان عام 333 ق.م، فتصدوا له وهاجموا جيشه، وكانوا رماة مهرة، وأشهر ملوكهم هو معن، أو كما كتبه الروم (مانيوس).

سيطر الإيطوريون بشجاعتهم المتناهية على مناطق من سوريا نتيجة الحروب التي خاضوها، من حوران والجولان، بينما وضع الدمشقيون أنفسهم تحت حماية الأنباط، وحين دخلت روما سوريا الجنوبية وجدوتها مقسمة بين الأنباط والإيطوريين ونزاعات كبرى بينهما من أجل السيطرة، انتهت بخسارة الإيطوريين.

كان الإيطوريون شرسين في القتال، اتخذ حكامهم بعلبك عاصمة لهم (بَعْلَ بَك) التي كتبها الإغريق والرومان "هليوبوليس"، وعاصمتهم الأخرى "عين الجر" واليوم عنجر، والتي كتبوها "باليبوس"، وهكذا مع أسماء بقية المدن التي دونوها بطريقتهم مثل (جيغارته) زغرتا، و(بوليس) أي طرابلس، فالكثير من الأسماء الرومانية تنتهي ببوليس، "نيا بوليس" المدينة الحديثة، "تريس بوليس" أي طرابلس، "هدزريانو بوليس" أي أدرنة.

اقرأ أيضا: أدباء الميليشيات

وعودة لفيليب وعشيرته العربية (الإيطوريون)، الذين كانوا من أمهر الفرسان والرماة، تأتي جذورهم من جدهم يَطُور بن إسماعيل بن إبراهيم، وحسب سفر التكوين هناك تسلسل لأولاد إسماعيل الاثني عشرة وفق ميلادهم الذي يبدأ بالابن الأكبر والأول نبايوت وينتهي بـ قِدمة، أما يَطُور فهو الابن العاشر له، ومعنى يطور من الطور أي الشأو والغاية، ونقول طَورا أي تارة، وطُور أيضا هضبة أو تلة أو جبل مثل جبل طور في سيناء مصر، هذا إذا لم يختلف علماء البحث حول مكانه.  

يبقى الاستثمار في البحث ذخيرة للإنسان وتاريخه ولغته، وتصحيح لحروب كابدها العرب بسبب حروبهم بين بعضهم البعض، ليأتي الآخر البعيد مستغلا أمر الاختلاف وتبدأ السيطرة

 

 

وهكذا تصبح سيرة فيليب العربي الحوراني نداء وولادة متجددة، وحسب الوثائق الرومانية "فليبو بوليس"، وقد كتبوا سيرته قائلين إنه كان دخيلا على المؤسسة الرومانية، واتخذوه إمبراطورا نظير شجاعته وتميزه وسيرته الحربية بالدفاع عن حدود الروم ضد الفرس الساسانيين الذين كانوا يهاجمون الشام حينها. ولا تزال الأسئلة العصية عن ديانته مطروحة لدى الباحثين الإيطاليين والعرب، فهل اعتنق فيليب العربي الديانة المسيحية؟

ومع البحث في تاريخ حُكمه الذي امتد بين 244 إلى 249م، كان انتشار الديانة المسيحية في ذلك الوقت واسعا في الشرق وأوروبا، بينما تدل سيرته على أنه كان معتزا ببيئته التي ولد فيها ومجتمعه حيث ساحة الشهبا التي جعل منها روما المصغرة، منذ أن خصها بالبوابات الحجرية الفخمة، والأسوار البازلتية والأقواس، وبمسرح ومعبد وشوارع وحمامات ومدافن وروائع الفسيفساء، كما دافع عن الحيوانات ورفض الصراع ضدهم في الغابات، وتسامح مع السكان، ولم يكن عنيفا مع طقوسهم الدينية.

وكما ذكر المؤرخ والآثاري السوري محمد كامل مُحفَل الذي توفي في عام 2019، فقد احتفل فيليب العربي بمرور ألف عام على نشوء روما الوثنية، بل وأشرف على الطقوس بنفسه، إذن كان وثنيا ولا شيء يدل على ما كُتب من اعتناقه المسيحية.

ويبقى الاستثمار في البحث ذخيرة للإنسان وتاريخه ولغته، وتصحيح لحروب كابدها العرب بسبب حروبهم بين بعضهم البعض، ليأتي الآخر البعيد مستغلا أمر الاختلاف وتبدأ السيطرة، ويأتي فيليب العربي من عشيرة الإيطوريين كما نتصور، الذين هزمهم الغساسنة والأنباط، ليخرج منهم فرد استطاع الوصول إلى الحكم بفضل براعته وفروسيته.

font change