طائر "صقر الجديان"، أو "الكاتب" أو "طائر السكرتير" هو الشعار الرسمي لدولة السودان. وهو طائر جميل، طويل الساقين، يبدو أنيقا ومغرورا وأنت تراه متجولا باختيال في الغابات الأفريقية. كما أنه مقاتل شرس ضد أعدائه لاسيما الثعابين السامة.
و"صقر الجديان" هو أيضا اسم لرواية كتبها الروائي السوداني محمد سليمان الشاذلي، وهي إحدى الروايات السودانية – الكثيرة – التي يمكننا إدراجها ضمن ما يعرف بـ "أدب الحرب"، ومع هذا فهي من الروايات القليلة التي تناولت حرب الجنوب الطويلة ببعد إنساني ووجودي يعكس حجم الدمار والخراب الذي تحدثه الحروب بصورة تصل إلى درجة الرعب.
قدم محمد سليمان الشاذلي في هذه الرواية صورة مرعبة عن بشاعة الحرب وقدرتها على تدمير الفرد والجماعة، الأمم والدول. فمن خلال سرد قصة صحافي التحق بالقوات الشمالية المحاربة في جنوب السودان، بهدف إعداد تقارير صحافية لصالح صحيفة القوات المسلحة الرسمية، نقترب بشكل مؤلم من مآسي وفظاعة أسوأ حرب شهدتها أفريقيا خلال القرن العشرين.
وفي رأيي أن أكثر ما نجح فيه كاتب هذه الرواية – الإدانة، هو قدرته على نقل "الألم" من صورته التخيلية الأدبية ليقترب في معناه من المحسوس الموجع إلى درجة الغثيان، فقراءة هذه العمل هي تجريب ممض ومؤلم لفظاعة الألم الجسدي والنفسي الناتج عن التعذيب والخوف والرعب والفقدان المتدرّج للعقل، وكل ما يمكن أن تسببه الحروب البشعة من آلام للفرد – الجندي، المواطن- الأسير، وحتى الحيوان الهائم في غابة التوحش التي تماثل -للمفارقة- الجنة في مقابل وحشية الإنسان الذي في سبيل اللاشيء يمضي لإبادة كل أثر للحياة.
رمزية صقر الجديان (شعار دولة السودان) وعنوان الرواية ولقب إحدى الشخصيات الرئيسية، تأتي ملتبسة وشعرية وغامضة تتداخل مع التوحّش والذكاء و.. الجنون، الذي يدمغ الرواية من بدايتها إلى نهايتها.
مثل شبح ظلت تطاردني أحداث هذه الرواية، بصورها المرعبة عن الموت، والتقتيل والتعذيب، وتطاير الأشلاء البشرية الممزقة. مثل شبح تطاردني – وتخنقني في هذه الأيام.