حصد نظام الرئيس السوري بشار الأسد في الأسابيع الأخيرة الثمار التي وفرتها موجة إعادة الارتباط الدبلوماسي التي تهدف إلى تطبيع وضعه داخل الشرق الأوسط. وكما يتابع العالم، انتقد كثيرون الكيفية التي يجري بها تجاهل قائمة الجرائم غير العادية التي ارتكبها النظام السوري منذ عام 2011 تحت ستار سياسة "تخفيف التصعيد" غير الحكيمة. وفي حين أن ثمة ما يبرر مثل هذه الشكاوى ويُفترض أن تكون كافية لحمل الحكومات على إعادة النظر في سياساتها الرامية الى التطبيع مع النظام، تتعلق إحدى القضايا- التي غالبا ما يتم تجاهلها، ولكنها تتمتع بالأهمية، بسجل النظام المُقلق وطويل الأمد في تجاهل الجهاديين أو تسليحهم بهدف خدمة أجندته الخاصة.
وعلى الرغم من هزيمة "داعش" الإقليمية عام 2019، فإن التنظيم لا يزال ماثلا ونشطا في سوريا. لقد نجحت قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأميركية في احتواء تمرد "داعش" في الشمال الشرقي من سوريا، وأدت سلسلة العمليات البارزة الأخيرة إلى مقتل واعتقال كبار قادة التنظيم. لكن ثمة قصة مختلفة في المناطق التي يسيطر عليها النظام. إذ أعادت "داعش" بناء نفسها على نحو منهجي في منطقة البادية منذ عام 2019، وهي تسيطر الآن على مساحات في ريف حمص وتتمتع بحرية مناورة شبه كاملة في المناطق الريفية من دير الزور، والرقة، وحماة. وقد ازداد نفوذ تنظيم "الدولة الإسلامية" في المناطق التي يسيطر عليها النظام، ولم يضعُف، على الرغم من النفوذ المشترك للجيش والقوات الجوية السورية، فضلاً عن قوة الدفاع الوطني، ومجموعة فاغنر، والميليشيات التي تعمل بالوكالة عن إيران، والجيش الروسي.
يجد خصوم النظام داخل سوريا أنفسهم في حالة من الضعف المتزايد، في ظل مواصلة سياسة التطبيع الإقليمي مع الأسد. ففي غضون أيام من إعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران، على سبيل المثال، ضربت طائرة انتحارية إيرانية من دون طيار قاعدة عسكرية أميركية، الأمر الذي أسفر عن مقتل أحد المقاولين المتعاونين مع وزارة الدفاع الأميركية. وستحرص "داعش" أيضا- شأنها شأن إيران- على استغلال الاختلالات الجديدة. ومثل إيران، قد تستفيد داعش" أيضا من التسهيلات السلبية التي يقدمها النظام أو قد تستفيد من دعمه النشط.
وفي واقع الأمر، يربط تنظيم "داعش" وأسلافه تاريخ طويل من العمل المباشر مع نظام الأسد والاستفادة من التسهيلات غير المباشرة التي كان يقدمها. فعلى مدى عقود، كان مسؤولو النظام السوري يتحدثون عن تفضيلهم لسياسة "احتواء" الجهاديين، بهدف رعايتهم والتلاعب بهم وتسليحهم.
تعود استراتيجية الاحتواء إلى المواجهات المبكرة التي جرت مع "الإخوان المسلمين" في سبعينات القرن الماضي، ومن ثم مذبحة حماة التي حدثت عام 1982. وبحلول تسعينات القرن الماضي، أصبحت المديريات العامة للمخابرات والمخابرات العسكرية في سوريا هي الأكثر استثمارا في التعامل مع الحركات الجهادية وداخل تلك الحركات، الأمر الذي أدى إلى نشوء علاقات تواصلت منذ ذلك الحين.