2023 سنة صعبة في تونس
بناء عليه وفي التوقعات للسنة الجارية، حذّر محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي من أن سنة 2023 ستكون صعبة في ظل ضعف النمو وارتفاع التضخم (أكثر من 10 في المئة) ومعدّل البطالة (أكثر من 15 في المئة)، وأنه "في حال عدم التوصل إلى اتفاق سريع مع صندوق النقد على قرض جديد، سيكون الوضع مقلقا للغاية، خصوصا أن المفاوضات بين الطرفين تراوح مكانها". وكان الصندوق توصل مع السلطات التونسية إلى اتفاق على مستوى الخبراء في منتصف أكتوبر/تشرين الأول 2022 الماضي حول برنامج جديد مدته 48 شهرا في إطار "تسهيل الصندوق الممدد" لدعم السياسات والإصلاحات الاقتصادية، بقيمة 1,472 مليار وحدة حقوق سحب خاصة (أي نحو ملياري دولار أميركي). وكان منتظرا عرض الاتفاق النهائي في شأن البرنامج على موافقة المجلس التنفيذي للصندوق خلال الاجتماع المقرر انعقاده لمناقشة طلب تونس في شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم، بالتزامن مع وجود الرئيس التونسي في واشنطن للمشاركة في القمة الأميركية الأفريقية. لكن المفاجأة أن الصندوق أرجأ النظر في القرض المقترح إلى تاريخ لاحق، ما فسّره المراقبون بالموقف الأميركي غير الراضي أو حتى الغاضب من تصرفات الرئيس المتهور. ولا تخفي الولايات المتحدة معارضتها لسياسة الرئيس سعيد وخطاباته الحادة ومناهضته العلنية للسامية.
سباحة ضد التيار
كشفت مصادر ديبلوماسية لـ"المجلة" أن الرئيس يقصد بهذه المواقف الحصول على دعم مالي وسياسي من الجزائر، في مقابل مساعدات لوقف انهيار الدينار التونسي. وكانت الجزائر منحت قيس سعيد قرضا قيمته 200 مليون دولار ووعدته بوديعة مماثلة في البنك المركزي، في مقابل الاصطفاف إلى جانبها ضد المغرب في التنافس الإقليمي. وتستخدم الجزائر ورقة الغاز مع إيطاليا وفرنسا لإقناعهما بدعم الرئيس سعيد وتجنب إطاحته. وكانت اليابان من جهتها رفضت دعم تونس خارح أي اتفاق مع الصندوق، بعد إشراك زعيم البوليساريو الانفصالية في مؤتمر اقتصادي بين اليابان وأفريقيا عُقد في تونس نهاية العام المنصرم، وهو ما أثار غضب المغرب، وتسبب في تدهور كبير في العلاقات مع الرباط وطوكيو ومعظم العواصم الأفريقية. وسقطت تونس في المحظور الذي تجنبه كل الرؤساء السابقين طيلة ستة عقود.
كل شيء في تونس يدعو إلى القلق، بإجماع المراقبين والمحللين. حتى أكثرهم تشاؤما لم يكن يتوقع مصيرا مأزوما للبلد الذي انطلق منه الربيع العربي، وسُمي بـ"ثورة الياسمين"، مقارنة بعنف ثورات كانت أكثر دموية في دول عربية أخرى. بل كان الرهان أن يحقق البلد العربي الواقع في شمال أفريقيا على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، انفتاحا ديموقراطيا وتنمية اقتصادية وعدالة اجتماعية، استنادا إلى مستوى مرتفع من تعلم المرأة وحريتها، وطبقة وسطى عريضة، وشباب مليء بالطموح، واقتصاد متنوع بين السياحة والزراعة والفوسفات وبعض الصناعات الاستهلاكية التصديرية. هذا بالإضافة إلى القرب الجغرافي من الأسواق الأوروبية واعتدال في المواقف الخارجية، وانفتاح على المؤسسات المالية العالمية. كانت تونس تمثل دولة نموذجية مرشحة للتقدم. بعد 12 سنة من تجارب حكومات الربيع المتعاقبة، تبدو تونس اليوم كالجسم المعطوب في منطقة المغرب العربي: المؤشرات يطغى عليها اللون الأحمر.
الحنين إلى الزمن الجميل
بعيدة تلك الصورة الجميلة التي كانت تُنقل عن تونس الخضراء وشواطئها البيضاء، كما كانت تُوصف في أشعار وأغاني خمسينات القرن الماضي. "لبنان شمال أفريقيا" حيث السياحة كانت تجمع كل الجنسيات والديانات والمعتقدات، وساد التحرر في مجتمع حديث العهد بالاستقلال.
كانت التجربة الإسلامية قاسية في تونس على المرأة والاقتصاد والاستثمار، وتأرجح الاقتصاد بين نمو متواضع وانكماش على مدى عقد من الزمن من 2011 إلى 2019 ليتراجع النمو الى 1,6 في المئة في 2023، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي.