من لديه اهتمام بالتحليل النفسي يعلم أنه نظرية ومنهج لمعالجة الأمراض النفسية والعصبية، وتتحدّث الفرضيات البارزة عن الشعور وعن ما قبل الشعور، وهذا الأخير هو ما يقبع في أعماق النفس ويسيطر عليها، وهناك جهاز رقابي يهيمن عليه، وهذا الجهاز يتكوّن من المحرّمات الاجتماعية. ولا ريب سيحدث صراع بين الرغبات المكبوتة والجهاز الرقابي، وستظهر هذه الرغبات في الأحلام أو في فلتات اللسان.
نموذج حي على فلتات اللسان هذه، ما صدر عن عضو جماعة الإخوان المسلمين الكويتي طارق السويدان، فقد "أتحفنا" قبل أيام بتغريدة ذات صوت نشاز فقال: "المسجد الحرام والمسجد الأقصى شقيقان جمعهما الوحي وتجمعهما أنوار ليلة القدر وبركاتها، نسأل المولى سبحانه أن يجمعهما التحرير قريبا غير بعيد، وأن يرزقنا الصلاة فيهما على خير حال". ما أقرب أن تكون هذه التغريدة من اللاشعور، أمنية تراود كل إخواني على وجه الأرض، فهم يحملون حقدا دفينا على الحكومة السعودية، ويتمنون الشر لهذه البلاد، بل لكل البلاد. لا يهمهم كثيرا من يموت ومن يحيا، كل همهم هو أن تشتعل الثورات وتنهار الأنظمة، وقد سمعنا أكثر من واحد من رموزهم يكرر بأنه لا يرى بأسا في أن يموت مئات الألوف من أجل أن تعود الخلافة الإسلامية، أي خلافة العثمانيين.
لا يهم الإخوان من يموت ومن يحيا، كل همهم هو أن تشتعل الثورات وتنهار الأنظمة، وقد سمعنا أكثر من واحد من رموزهم يكرر بأنه لا يرى بأسا في أن يموت مئات الألوف من أجل أن تعود الخلافة الإسلامية، أي خلافة العثمانيين
لا شك في أن المسلمين جميعا يتمنّون تحرير المسجد الأقصى والصلاة فيه، لكنهم صُدموا بالرغبة في تحرير المسجد الحرام أيضا! تحريره مِن مَن بالضبط؟ المسجد الحرام أبوابه مفتوحة للجميع ولم تأل الحكومة السعودية جهدا في تنظيم هذه العملية بحيث يبقى هذا الحق لكل المسلمين، جهود جبارة تبذلها حكومة خادم الحرمين الشريفين لتسهيل مناسك الحج والعمرة، وأهل الحرمين من رجال الأمن والمدنيين يبذلون محتسبين كل جهد لخدمة زوار بيت الله، مما شهدت به الإنسانية جمعاء، فعن أيّ تحرير يتحدث السويدان؟
غضب عارم اشتعل في نفوس السعوديين، وتجلى عبر شبكات التواصل، مما أشعر السويدان بحجم الخطيئة التي وقع فيها، فحذف التغريدة، واعتذر بأنه لم يكتبها، وإنما كتبها المشرفون على حسابه في إسطنبول، وهذا في حدّ ذاته استغباء للمتلقي. وفي استغباء آخر زعم أنه يشكر من أساؤوا فهمه لأنهم أهدوا إليه حسناتهم في الشهر الفضيل! هذا التذاكي لم يعد ينطلي على أحد، ولنا أن نبتهج بزيادة الوعي الشعبي الذي ارتفع في ظل وسائل التواصل الجديدة واختلف كثيرا عن حاله في زمن الكاسيت والخطب النارية التي تداعب العاطفة وتسخر من العقل.
لا يوجد شيء مقنع في رمي التهمة على مدير الحساب، وإذا كان حقا فمن هو مدير الحساب هذا؟ وما هي الإجراءات التي اتخذها السويدان بحقه؟ على كل حال، نحن نعلم بالذل الذي يعيشه الإخوان في تركيا وقد رأينا فيما سبق كيف أن الحساب القديم لإسماعيل ياشا يشتمهم علنا على منصة تويتر ويأمرهم وينهاهم، وإن كان هناك من يدير حساب السويدان في تركيا، فلا شك أنه أعجز وأضعف من أن يحاسبه على شيء. ثمة دعاة في تركيا وغيرها يدعون لتدويل الحرمين، والسويدان قد رضي على نفسه بأن يكون خادما لهذه الأجندة، سواء شعر بذلك أم لم يشعر، وسواء صدرت هذه التغريدة من عقله الباطن أم من عقله الظاهر، أو كتبها آخرون ممهورة بتوقيعه ومرتبطة باسمه.
هؤلاء هم "الخوّان" وإنني لأحملهم وزر ما يحدث الآن في السودان من اشتعال الحرب الأهلية في بلاد الطيبين من السودانيين، فعمر البشير الإخواني هو من أتى بلوردات الحرب وهو ممن يتحملون وزر ما يحدث الساعة
الإخوان المسلمون يشبهون إلى حد كبير الخوارج القعدية، وهم فرقة تاريخية تحرّض على الخروج بالسيف على الدولة وإن كانوا لا يخرجون ولا يحملون السيف. يكتفون من ذلك بتشجيع السذّج والجهلة وصغار السن، ولا يرون لحياة هؤلاء الذين يطيعونهم قيمة، فضلا عمن سواهم، ولا يزالون يكررون صراحة أن حلمهم الكبير الشرير ستراق بسببه الدماء، وهذا ما حدث في زمن الثورات التي أكلت الأخضر واليابس في عدد من الدول العربية. في الواقع، الإخوان أسوأ من القعدية، فقد كان لهم دور يتجاوز مجرد التحريض في مآسي البوسنة والهرسك وإقليم مندناو في الفلبين وكوسوفو والشيشان وغيرها. يذهبون إلى بلاد ذات أقلية مسلمة فيفتتحون فيها مسجد، ثم تبدأ المحاضرات النارية وحفز الروح القتالية، ثم يسعون للمطالبة بالانفصال أو الحكم الذاتي لإقليم هؤلاء الأقلية، فتشتغل الحرب وتتناثر الجماجم. هؤلاء هم "الخوّان" وإنني لأحمّلهم وزر ما يحدث الآن في السودان من اشتعال الحرب الأهلية في بلاد الطيبين من السودانيين، فعمر البشير الإخواني هو من أتى بلوردات الحرب وهو ممن يتحملون وزر ما يحدث الساعة.