كان أسبوع واحد من الصراع العسكري الدامي في السودان كافيا لتوجيه الضربة القاضية إلى كل الآمال والإيجابيات المتبقية لتصحيح أرقام المؤشرات الاقتصادية التي جهدت الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية و"نادي باريس" لتصويبها منذ نحو أربع سنوات. لكنّ الأرقام الأهمّ والأفدح هي هذه التي تُجبَل بالدماء وقد بلغت عند كتابة هذه الكلمات 459 قتيلا و4075 مصابا بحسب منظمة الصحة العالمية ونزوح الآف المدنيين وفرار 10 آلاف شخص إلى جنوب السودان!
هي ضربة جديدة مؤلمة تأتي بعد سلسلة من النكسات ومسار تراكمي للسلبيات المالية والمعيشية امتد طوال 18 شهرا منذ الانقلاب على الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021، وهو الاقتصادي الخبير الذي تفاهم مع المجتمع الدولي ودفعه للاستجابة الى اتفاق تاريخي في يونيو/حزيران 2021 أعفى بموجبه السودان من 50 مليار دولار من ديونه ( نحو 90 في المئة) من أصل 56 مليارا، الأمر الذي أعاد البلاد الى سكة الأمل، تمهيدا لحصولها على أربعة مليارات دولار منحا وقروضا جديدة، صُرف قسمٌ يسير منها، قبل ان يتجمد كل شيء وتعود البلاد الى نقطة الصفر.
ها هي بلاد الخير تعود لتتصدر الشاشات والأخبار وتحتل الخبر المشؤوم الأول في العالم العربي وأفريقيا، حيث تتسابق الكاميرات والمواقع إلى النقل المباشر وتدبيج التحليلات وكتابة الريبورتاجات والتقارير وإلقاء الأضواء على الشخصيتين العسكريتين المتقاتلتين، عبد الفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو "حميدتي"، بكشف النقاب عن القدرات البشرية والعسكرية و"الذهبية" لكل منهما وخلفيات الصراع المستجد بين حليفي الأمس، الذي لا يبدو حسمه قريبا،في حين تتعاظم احتمالات انزلاقه الى حرب أهلية!