في أقل من عقد من الزمن، تمكن تطبيق "تيك توك" من أن يتحول إلى قوة ثقافية هيمنت على العالم أجمع، واستقطبت نحو ملياري مستخدم، 150 مليونا منهم في الولايات المتحدة فقط، أي ما يوازي نحو نصف شعبها. وهم شكلوا منصات دفاع ناجحة عن التطبيق، قبل جلسة الاستماع الشهيرة إلى رئيس "تيك توك" التنفيذي، شو زي تشو، أمام مجلس النواب الأميركي الشهر الماضي، وخلالها وما بعدها. يمضي المستخدمون في العالم نحو 95 دقيقة يوميا كمعدل وسطي في تصفح التطبيق، أي ضعف المدة التي يقضونها على "انستغرام" و"سنابشات"، وهي مدة طويلة تصل الى حد الإدمان.
هذا النمو، لم يعجب بالطبع، المسؤولين الأميركيين. إذ لا يمكن لـ"العقل السياسي" هضم مسألة استحواذ التطبيق اجتماعيا وثقافيا على عقول الأميركيين، وتخزين بياناتهم والاطلاع عليها واستغلالها لدرس عادات الأفراد وسلوكياتهم، في ظل معركة مفتوحة مع الصين الساعية الى "نظام عالمي جديد" على كل الجبهات الاقتصادية والسياسية والعسكرية فحسب، فجل تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي، الأميركية وغيرها، لها تأثير مماثل وأحيانا أشد وقعا ووقاحة، لكن اضطراب الأميركيين نابع من الجذور الصينية للتطبيق. فهم قلقون من "تجسس" الصين على معلومات حساسة تكتسبها من خلال أدواتها التكنولوجية المتقدمة من جهة، وغير راغبين في مشاهدة نجاح صيني مماثل على أراضيها من جهة أخرى، من دون اعتراضه بشتى الوسائل، خصوصا بعدما قدّر محللو "بلومبيرغ إنتيليجنس" قيمة أعمال "تيك توك" في الولايات المتحدة ما بين 40 و50 مليار دولار، وهي في ازدياد، في وقت يحتدم الصراع بين الدولتين العظميين بدءا بالرقاقات الميكروية وأشباه الموصلات، مرورا بالممرات البحرية الدولية وليس انتهاء بتطورات الذكاء الاصطناعي المرعبة.
في صراع جبابرة التكنولوجيا، يستحوذ "تيك توك" على نحو 2,3 في المئة من سوق الإعلانات الرقمية في العالم، وهو التطبيق الوحيد الذي شهد نموا بين منافسيه في الأشهر الماضية وسط الركود الاقتصادي العالمي، محققا نحو 10 مليارات دولار من عوائد الإعلانات في 2022 بحسب أرقام "فايننشال تايمز".