وأجبر نجاح التطبيق منافسيه على إعادة تقييم منتجاتهم. فعمدت "ميتا"، التي تمتلك "فايسبوك" و"انستغرام"، لتحويلهما إلى "محركات اكتشاف"، وأطلقت "ريلز" (Reels)، وهي عبارة عن تثبيت نسخة من مقاطع الفيديو المنشورة على "تيك توك". كما أُطلقت خدمات مماثلة عبر "بنترست" (ووتش تي. في. Watch TV) و"سنابشات" (سبوتلايت Spotlight) و"يوتيوب" (شورتس Shorts) و"نتفليكس" (فاست لافز Fast Laughs). كما استوحت "سبوتيفاي" من نموذج "تيك توك" لتعرض مقاطع فيديو على صفحة التطبيق الرئيسة.
"المزاج السياسي" الأميركي يؤجج الصراع
يكفي أن ندرك الوقت القياسي الذي استهلكته الشركة الأم لـ"تيك توك"، أي "بايت دانس"، ومقرها الصين، واستثماراتها في الولايات المتحدة في محاولة لتبديد هذه المخاوف والتزام الشروط والمعايير الأميركية في إدارتها للتطبيق، لنفهم أن "المزاج السياسي" في واشنطن (على عكس الشعبي) لا يتحرك لصالح "تيك توك"، وأن عدم الثقة بالصين ودوافعها وسعي الولايات المتحدة لإبطاء تقدمها التقني السريع، هما المحرك الأساسي لجميع قراراتها.
فقد أمضت "بايت دانس" أكثر من ثلاث سنوات في التفاوض مع لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة، (CFIUS)، التي تعمد الى مراجعة الملفات التي تنطوي على أطراف أجانب بحثا عن تهديدات للأمن القومي. ولم يجر الانتهاء من إعداد مسوّدة لاتفاق بين الطرفين حتى الآن. كما أنفقت الشركة عشرات ملايين الدولارات في بناء وجودها وتوسيعه في واشنطن، واستثمرت أكثر من مليار دولار على "مشروع تكساس" (Project Texas)، لتخزين البيانات عبر شركات أميركية لعزلها عن الصين قدر الإمكان، وتعزيز الرقابة المستقلة والشفافية، هربا من قانون باشرت الحكومة الصينية تطبيقه منذ عام 2017، ويفرض على الشركات الصينية منح الحكومة أي بيانات شخصية ذات صلة بالأمن القومي للبلاد. ووفقا لصحيفة "فاينناشال تايمز"، لدى "تيك توك" خطة مماثلة في أوروبا، أطلق عليها اسم "مشروع كلوفر" (Project Clover)، لتخزين البيانات في ثلاثة مراكز، اثنين في إيرلندا وواحد في النروج.
على الرغم من ذلك، يواجه تطبيق "تيك توك"، وهو رب عمل لسبعة آلاف موظف في الولايات المتحدة وحدها، خطر الحظر إذا لم تلتزم "بايت دانس" بيع حصتها لجهة أميركية، من خلال توصية ممكنة للرئيس الأميركي بفرض سحب استثمارات الشركة التي استحوذت بموجبها على تطبيق "ميوزيكالي" (Musical.ly) السابق لـ"تيك توك"، وهو أمر ترفضه الصين تماما.
إحدى أذرع الحزب الشيوعي الصيني؟
ظهرت أولى العقبات حينما اضطرت "بايت دانس" في أواخر العام المنصرم للاعتراف باطلاع بعض موظفيها على بيانات "تيك توك" الخاصة بصحافيين أميركيين من "بازفيد" (Buzzfeed) و"فايننشال تايمز" أثناء محاولتهم تعقب مصدر تقرير تم تسريبه عن الشركة. إلا أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها التجسس على صحافيين. فقد كشفت "فوربس" اتهامات سابقة وجهت إلى كل من "أوبر" و"فايسبوك" بارتكاب أفعال مماثلة على مر السنين، وكذلك بحث "مايكروسوفت" في حساب بريدي لمدوّن فرنسي عام 2012 للتحقيق في تسريب أسرار تجارية له. إلا أن كل هذه الشركات لم تواجه عقوبة الحظر المحتمل في الولايات المتحدة في أي يوم من الأيام، فأيُّ منها لم يكن مملوكا من شركة صينية!
لم يشفع لـ"تيك توك" التنوع الكبير في مجموع مساهمي "بايت دانس"، ومعظمهم مستثمرون عالميون يمتلكون نسبة 60 في المئة من أسهم الشركة، بما في ذلك شركات الاستثمار الأميركية العملاقة، "بلاك روك" و"جنرال أتلانتك" و"سيكويا". ويمتلك موظفو الشركة 20 في المئة من أسهمها، فيما الـ 20 في المئة المتبقية يملكها مؤسس الشركة زانغ ييمنغ، الذي يتحكم في الشركة من طريق امتلاك فئة منفصلة من الأسهم مع حقوق تصويت إضافية، بحسب "فايننشال تايمز".
علما أن الصين لم تتوان من جهتها عن حظر عدد من التطبيقيات والمواقع الأميركية منذ عام 2009، منها "فايسبوك" و"إنستغرام" و"يوتيوب" و"تويتر" و"غوغل"، وآلاف غيرها من المواقع "الغربية". إلا أن خطوة مماثلة من الولايات المتحدة لا تبدو سهلة، وستكون سابقة مقلقة لهذا البلد الديموقراطي الذي يرعى الحقوق الدستورية وحرية التعبير، ومن شأن أي حظر للتطبيق غير قائم على معطيات منطقية وحقيقية موثوق بها، أن يفضي الى اهتزاز تلك الصورة. كما يمكن أن يؤدي الحظر إلى رد فعل عنيف من المستثمرين الأميركيين الكبار المالكين لحصة في "تيك توك".