معالم "حرب الجنرالين" في السودان، باتت واضحة بعد نحو أسبوع من اندلاعها. نيات رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو (حميدتي)، كُتبت بالرصاص وقذائف الدبابات وغارات الطائرات.
حدود المعركة المحلية وأهدافها، باتت مرسومة إلى حد كبير. صراع على السلطة. الجيش يريد أن يقاتل إلى آخر جندي، دفاعا عن مؤسسة الجيش. و"قوات الدعم السريع"، تريد أن تحارب إلى آخر عنصر لجلوس قائدها على الكرسي الأول. هدنة تعلن، وسرعان ما تنهار. السودانيون والمدنيون، في ذيل الحسابات وغرف العمليات. وباتوا يقفون وحدهم مع بدء عمليات إجلاء الأجانب.
لكن ماذا عن سياق المعارك الخارجية والصراع على أفريقيا؟ ماذا يحصل في الإقليم والقرن الأفريقي؟
من الجولات الخارجية اللافتة التي قام بها "حميدتي"، زيارته إلى موسكو نهاية فبراير/شباط العام الماضي، للقاء قادة عسكريين وسياسيين، بالتزامن مع إعلان روسيا الهجوم على أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022. هذه خطوة رمزية، سبقتها محاولات أخرى، بإعلان اتفاق أولي على إقامة قاعدة عسكرية روسية في بورتسودان وتوقيع الاتفاق، ثم تراجعت حكومة عبدالله حمدوك عنه، رغم ضغوط ووعود روسية.
يضاف إلى ذلك، تقارير كثيرة عن علاقة خاصة وتعاون في أرباح الذهب ومعارك عابرة للحدود الأفريقية، بين "حميدتي" وجيش "فاغنر"، ذراع روسيا في "حروب الظل" داخل أفريقيا، أو الحرب المباشرة في أوكرانيا، كما اتضح في معركة باخموت.
ومن تشابكات "حميدتي" العابرة للحدود، تلك العلاقة مع قائد الجيش الوطني الليبي اللواء خليفة حفتر. الأول قدم للثاني كثيرا من العتاد والمقاتلين في معاركه ضد الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس. أما حفتر، فقد عرض تقديم المساعدات لـ"حليفه" السوداني في معركته ضد قائد الجيش، البرهان. تحالف لايعترف بالحدود في شمال أفريقيا.
من الجولات الخارجية اللافتة التي قام بها "حميدتي"، زيارته إلى موسكو نهاية فبراير/شباط العام الماضي، للقاء قادة عسكريين وسياسيين، بالتزامن مع إعلان روسيا الهجوم على أوكرانيا يوم 24 فبراير 2022.
قبل أسابيع من "حرب الجنرالين"، شنت أميركا هجمة دبلوماسية واستخباراتية في ليبيا، تضمنت قيام مدير "وكالة الاستخبارات المركزية" الأميركية وليم بيرنز ومسؤولين كبار في الخارجية، بجولة ميدانية في بنغازي، معقل حفتر، وفي طرابلس مقر الحكومة الرسمية. تزامن ذلك مع إعلان البيت الأبيض استراتيجية خاصة لليبيا، حيث كانت بين الدول العربية القليلة التي أعلنت إدارة جو بايدن رؤيتها إزاءها.
الرسالة الأميركية من العودة إلى ليبيا هي: عدم السماح لروسيا بموطئ قدم استراتيجية في ليبيا، سواء بتأسيس قاعدة بحرية في سرت، أو برية في الجفرة. وقدمت إغراءات وتهديدات لحفتر، كي يتخلى عن تعاونه مع أكثر من ألف عنصر من "فاغنر"، وباركت ضمنا صفقة النفط بينه وبين غريمه عبدالحمد الدبيبة.
ومثلما بدا واضحا أن أميركا تعارض قيام قاعدة عسكرية روسية في ليبيا أو شواطئ البحر المتوسط، بدا أن واشنطن وعواصم غربية تعارض وجودا استراتيجيا لروسيا في بورتسودان على موانئ البحر الأحمر والحصول على موطئ قدم استراتيجي قرب القرن الأفريقي، الذي يطل على باب المندب ويمر منه 30 في المئة من التجارة العالمية.
أفريقيا، كانت مسرحا لتغلغل صيني هادئ في السنوات الأخيرة. وشبّكت بكين عبر الدبلوماسية والمساعدات علاقات عميقة في دول القارة، وأقامت واحدة من أهم قواعدها العسكرية خارج أراضيها في جيبوتي، المطلة على ممرات في القرن الأفريقي.
كانت أميركا ودول غربية والصين واليابان، قد أقامت قواعد عسكرية في جيبوتي، في إطار التموضع الاستراتيجي في القرن الأفريقي والمساهمة في تأمين الممرات البحرية وخطوط الطاقة الدولية.
أفريقيا، كانت مسرحا لتغلغل صيني هادئ في السنوات الأخيرة. وشبّكت بكين عبر الدبلوماسية والمساعدات علاقات عميقة في دول القارة، وأقامت واحدة من أهم قواعدها العسكرية خارج أراضيها في جيبوتي، المطلة على ممرات في القرن الأفريقي والمجاورة للسودان.
روسيا وأميركا، دخلتا بقوة إلى ساحة المنافسة الأفريقية. انحازت الأولى إلى الصين في تحالفات ومناورات عسكرية جرت آخرها مع جنوب أفريقيا في المحيط الهندي. وعززت روسيا مواقعها الأفريقية عبر جيش "فاغنر" ودعم انقلابات، وحققت وجودا راسخا في دول مثل مالي والساحل الأفريقي، وذلك بعد تدخلاتها في ليبيا وأفريقيا الوسطى، مقابل خروج الفرنسيين وتراجع النفوذ الغربي.
أما أميركا، فرفعت من مكانة أفريقيا في أولوياتها، عبر استضافة قمة تروج للنموذج الديمقراطي، وجولات دبلوماسية إلى القارة، وتقديم وعود بمساعدات اقتصادية وتدريبات عسكرية، كي تتخلى دول القارة عن العلاقة مع "فاغنر" أو مساعدات الصين. كما صنفت واشنطن "فاغنر" منظمة "جرمية عابرة للحدود"، وكثفت من الوجود العسكري ومن عملياتها ضد "داعش" وتنظيمات إرهابية أخرى.
البرهان لديه حلفاؤه الإقليميون والدوليون. و "حميدتي" لديه شركاؤه في المنطقة والعالم. العوامل موجودة كي يتحول الصراع بين جنرالين محليين إلى "حرب بالوكالة"
"حرب الجنرالين" في السودان، انفجرت وسط كل هذه التطورات. البرهان لديه حلفاؤه الإقليميون والدوليون. و "حميدتي" لديه شركاؤه في المنطقة والعالم. العوامل موجودة كي يتحول الصراع بين جنرالين محليين إلى "حرب بالوكالة" بامتدادات إقليمية ودولية، ينحدر فيها القتال إلى حرب أهلية تتغذى من هويات صغيرة وانقسامات وعصبيات ومناطقيات.
حصل هذا في مسارح أخرى، بينها سوريا وأوكرانيا، في خضم مخاض ولادة نظام دولي وتحالفات إقليمية.