كيفما بدا التخييلُ السينمائي منفصلا عن التخييل الروائي، أو ما يُفرقُهما أكثر مما يجمعُهما، فالعلاقةُ بين العمل الروائي والعمل السينمائي تظل مُتلازمة في توازٍ بمُعظمها، وفي اشتباكٍ وتقاطعٍ في أبدع استثناءاتها.
قطعا رفدت الرواية السينما عبر تاريخها الحافل، وارتهن الوفير من مُجمل الإنجاز السينمائي إلى النصوص السردية دون أن يجعل هذا الارتهان السينما مدينة للرواية بالضرورة، بالنظر إليها كفن مستقل بأدواتٍ وطرق وأشكال ورؤية وتقنيات مختلفة على نحوٍ صرفٍ.
شائعةٌ هي التجارب السينمائية المؤسسة على نصوص روائية، سواء التي توفقت في تحويل الأثر الروائي إلى أثرٍ سينمائي وهي قليلةٌ نوعيا، أو التي فشلت في هذا الاشتغال الصعب وهي شائعةٌ كميا.
هذه الأخيرة التي فشلت في العمل على النصوص الروائية سينمائيا سقطت في فخ عدم الفصل بين جنسين إبداعيين مُختلفين (جذريا)، وعدم إدراك الفرق الدامغ بين التخييل الروائي والتخييل السينمائي، وأما الأولى التي أبدعت في سينمائيتها بالاستناد إلى روائية النصوص السردية، فيشفعُ لها وعيُها الجمالي بالسينمائي المفارق للروائي، وعلى نحوٍ عملي استوعبت ما يحتاجُه إبداعُ الفيلم من الوجود الروائي، ففطنت تماما لما يبتغيه النزوع السينمائي من المادة الروائية، كي يكون مُنجزُ الفيلم سينمائيا بالفعل، فلا تبعية لهذه وراء تلك، وما من ارتهانٍ كلي يجعلُها فعلا فنيا لاحقا لسابق.
وهكذا فالروايةُ تظل رواية، مُتحققة في شروطها الجمالية كنوعٍ مستقل بذاته، والفيلمُ السينمائي يظل فيلما سينمائيا مُتحققا في شروطه الفنية كنوعٍ آخر، مستقل بذاته أيضا مهما استند إلى نص روائي.
وهذا الوعي الجمالي المفارقُ لم تختص به نخبةٌ سينمائيةٌ وحدها دون نخبةٍ من الروائيين أنفسهم الذين كتبوا سيناريوهات لأفلام، سواء الذين حولوا رواياتهم إلى أعمال سينمائية، أو الذين أنجزوا سيناريوهات لا علاقة لها بنصوصهم الحكائية، وتظل علاقات الاشتباك الخلاقة والمنتجة بين النوعين متبادلة، إذ اهتمت السينما بالروائي كموضوعة أيضا، لا في نماذج السيرة الذاتية وحسب، بل نماذج تخييل شخصية الكاتب كفاعلٍ مُريبٍ في لعبة الفيلم، وبالمقابل اهتمت الرواية بالسينما كموضوعة وبالسينمائي كشخصية من جهة، ومن جهة أخرى استمزجت التقنيات السينمائية واللغة البصرية لصالح روائيتها، بالمعنى الذي تحتوي هذه تلك وليس العكس.