بعد 6 أشهر... هل استعاد رئيس وزراء العراق ثقة الناس في دولتهم؟

شيلي كيتلسون
شيلي كيتلسون
غروب الشمس وراء مبان قيد الانشاء في بغداد

بعد 6 أشهر... هل استعاد رئيس وزراء العراق ثقة الناس في دولتهم؟

بغداد- "هو واحد من قلة قليلة من رجال الدولة غير الفاسدين. عمل الرجل في خمس وزارات في السابق ولم تُسمع أي شائعة فساد عنه"، هكذا قال يزن الجبوري لكاتبة هذه السطور في حديثه عن رئيس الوزراء العراقي الحالي قبل بضعة أسابيع من أداء اليمين الدستورية العام الماضي.

رافقت موجة من المخاوف أداء محافظ محافظة ميسان الواقعة جنوب شرقي العراق، محمد شياع السوداني، اليمين كرئيس للوزراء في أكتوبر/تشرين الأول 2022. وخشي كثيرون أن يؤدي قرب معظم مؤيديه من الميليشيات المرتبطة بإيران إلى سيطرة الجماعات المسلحة والأحزاب المرتبطة بها بشكل كامل على الدولة، وأن يتسبب ذلك في تداعيات خطيرة على كل من يعارضها.

وكان الجبوري قد توقع في مقابلته قبل شهر من تشكيل الحكومة ووسط المشاحنات السياسية المستمرة أن يصبح السوداني رئيسا للحكومة قريبا، رغم المعارضة الشديدة لترشيحه من قِبل أولئك الذين يدعمون رجل الدين المثير للجدل مقتدى الصدر.

حصلت كتلة الصدر على أكبر عدد من المقاعد مقارنة بباقي المجموعات في انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2021. وكانت هذه الانتخابات أحد مطالب احتجاجات 2019 الحاشدة في وسط وجنوب العراق والتي خلفت مئات القتلى وآلاف الجرحى. مع ذلك، كانت نسبة المشاركة في انتخابات 2021 منخفضة للغاية، حيث شعر كثيرون في البلاد أن أصواتهم لن تكون ذات أهمية.

شيلي كيتلسون
المرور قرب جامع الحيدر خانة الاثري في بغداد

يعتبر الصدر شخصية قوية في البلاد. ويجادل المراقبون بأنه وآية الله علي السيستاني قادران وحدهما على التأثير في مثل هذا العدد الكبير من السكان. ولكن وسط مفاوضات مطولة وغير مثمرة ورحيل الحكومة بعد مرور ستة أشهر من عام 2022، استقال أنصار الصدر من البرلمان في يونيو/حزيران بناء على أوامره.

كانت هناك توقعات قبل شهر من تشكيل الحكومة ووسط المشاحنات السياسية المستمرة أن يصبح السوداني رئيسا للحكومة قريبا، رغم المعارضة الشديدة لترشيحه من قِبل أولئك الذين يدعمون رجل الدين المثير للجدل مقتدى الصدر

وفي أغسطس/آب، وبعد مرور شهرين على الاستقالة، اندلعت، في اعتصام بالقرب من المكاتب الحكومية في المنطقة الخضراء، أعمال عنف بين مؤيديه وأنصار الجماعات المسلحة المقربة من إيران وآخرين. وفي اليوم التالي، وبعد مقتل العشرات، أمر الصدر أتباعه بمغادرة المنطقة على الفور لوقف إراقة الدماء، فأطاع الجميع أوامره.

وعلى الرغم من معارضة الصدر الشديدة لترشيح السوداني كرئيس للوزراء، إلا أنه تراجع لاحقا عن الوقوف في طريق ذلك.

وبحلول خريف عام 2022، تُرك العراق دون حكومة جديدة لأكثر من عام بعد انتخابات 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021. وكان كثير من العراقيين قلقين للغاية بشأن ما قد يحدث إذا استمر الوضع على ما هو عليه. وفي 27 أكتوبر/تشرين الأول، تمت الموافقة على السوداني وأدى اليمين كرئيس للوزراء.

وتباينت ردود الفعل بعد مرور ستة أشهر على استلام حكومة السوداني؛ إذ يقول البعض إنه فاز بثقتهم المبدئية، بينما لا يزال كثير من العراقيين يخشون زيادة النفوذ الإيراني وبناء الثروة والسلطة من خلال الفساد ونظام العدالة المعيب وعدد الأسلحة الكبير الخارج عن سيطرة الدولة.

ومع ذلك، يلاحظ البعض أن السوداني يعمل بجد، وأنه أقل عرضة للتأثر بأشخاص وجماعات قوية كما كان هذا البعض يفترض في البداية.

ينحدر يزن الجبوري من الطائفة السنية في العراق، وهو ابن لسياسي معروف، كما أنه منخرط في السياسة كأمين عام لحزب الوطن. ويُعرف أيضا، بشكل كبير، باسم السني المقرب من قائد الميليشيا الشيعية أبو مهدي المهندس، الذي اغتيل إلى جانب الجنرال الإيراني قاسم سليماني في يناير/كانون الثاني 2020 بغارة أميركية بطائرة دون طيار قرب مطار بغداد.

"السوداني أحد العراقيين الذين ناضلوا. أعدم صدام والده، وعاش حياته كلها في العراق، ولا يعتبره العراقيون (واحدا من) أولئك الغرباء الذين جاءوا على متن دبابة أميركية... لم يكن الأمر كذلك بالنسبة له؛ عمل السوداني عمدة ثم محافظا ثم وزيرا، لذا فهو يفهم كيف تعمل الدولة". هذا ما قاله الجبوري في مقابلته التي أجراها مع كاتبة السطور في منزله ببغداد في سبتمبر/ أيلول 2022
 

يلاحظ البعض أن السوداني يعمل بجد، وأنه أقل عرضة للتأثر بأشخاص وجماعات قوية كما كان هذا البعض يفترض في البداية


وطوال شهر مايو/أيار من العام الماضي، كانت "المجلة" موجودة على الأرض تتحدث مع العديد مع الأشخاص حول شعورهم تجاه الحكومة الحالية.

وقال مقاتل عشائري سني يبلغ من العمر 38 عاما، وهو خريج جامعي من محافظة الأنبار العراقية لـ"المجلة" في أبريل/ نيسان، إن آماله الآن باتت أعلى من ذي قبل بالنسبة لرئيس الوزراء الحالي، معترفا بأنها كانت منخفضة بشكل مخيف قبل بضعة أشهر. وزعم الرجل أن السوداني يبدو "جادا في الإصلاحات الاقتصادية"، وأنه "نجح إلى حد ما في ضبط قيمة الدينار العراقي"، وتمكن من "كبح تهريب العملة الأجنبية". وأضاف أن السوداني "يواجه مشاكل داخلية مع حلفائه لأن أسلوبه يتعارض أحيانا مع ما يريدون".

وتحدث رجل يعمل في مكتب برلماني حالي في لجنة الأمن والدفاع إلى "المجلة" مشترطا استخدام الأحرف الأولى من اسمه فقط (هـ.هـ)؛ زاعما أن حكومة السوداني استعادت "ثقة الناس في الحكومة"، وأنها عالجت قضايا ملحة تتعلق بالخدمات الاجتماعية، مثل "استكمال المشاريع الجارية، واستدامة التدفقات النقدية للمشاريع الاستراتيجية وذات الأولوية"، بينما لعبت أيضا دورا مهما في استمرار الجهود التي بذلتها الحكومة السابقة لتحسين العلاقات بين السعودية وإيران.

وأضاف الرجل أن السوداني "قلق للغاية بشأن العلاقات الدولية والتعاون مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي والقوى الغربية"، لأن "الحكومة لن تتقدم دون مساعدة دولية". وزعم أن السوداني لم يمتثل لمطالب الحكومة الإيرانية وأن ذلك أدى إلى احتكاك مع بعض حلفائه. كما أشار إلى أنه أصيب شخصيا بخيبة أمل بسبب التأخير في الموافقة على الموازنة، والمسائل المتعلقة بعائدات مبيعات النفط وقضية النازحين العراقيين الذين "عانوا كثيرا" والذين "من واجب الحكومة أن توفر لهم ظروفا معيشية مناسبة".

وقال سعد الخالدي، المدير التنفيذي للمركز العراقي لمهارات التفاوض وإدارة الصراع، ومقره بغداد، لـ"المجلة" إن النقاط الإيجابية في الحكومة الجديدة تضمنت "تركيزها على خدمات البلدية"، و"توظيف الآلاف في كل المحافظات من مدرسين أمضوا سنوات في إلقاء المحاضرات مجانا"، و"السيطرة على مطار النجف عوضا عن الحكومة المحلية"، وإبرام اتفاقات مؤقتة مع إقليم كردستان العراق وإقالة محافظ الديوانية، "الذي كان فاسدا للغاية ولم يفعل شيئا للمحافظة طوال سنوات عدة".

وأشار خالدي، الذي يتواصل بسبب عمله مع عدد كبير من الناس والقبائل في مناطق مختلفة من البلاد، إلى أنه لا يزال هناك الكثير للقيام به فيما يتعلق بـ"الإصلاح في التعليم والزراعة والخدمات الصحية"، وأنه أصيب بخيبة أمل لعدم انطلاق مزيد من الأعمال بهذه القطاعات في الأشهر الستة الأولى من حكومة السوداني. كما زعم أن الحكومة لم تبذل "أي جهود حقيقية" للقضاء على الفساد. وقال إنه يشك في أن تكون الحكومة "قادرة على التعامل بجدية" مع الفساد الذي يعاني منه العراقيون بشكل كبير.

شيلي كيتلسون
يزن الجبوري في منزله في بغداد في سبتمبر الماضي

كانت "المجلة" قد سألت الجبوري في سبتمبر/أيلول عما إذا كان يعتقد أن كتلة "الإطار التنسيقي" المرتبطة بإيران والتي تدعم السوداني كانت أخلاقية أكثر من الفصائل السياسية الأخرى، وعما إذا كان هذا هو سبب دعمه أيضا للترشيح؟

فأجاب بحدة: "لا... أعتقد أن السوداني هو الأكثر أخلاقية." وقال مشددا: "نفهم جميعا أن النظام معطل وفاسد وغير فعال. ولدينا خياران: إما أن نسقط النظام، أو نحاول إصلاحه. وإذا أسقطنا النظام فإن هذا يعني الفوضى. أي إن الأشخاص المسلحين سيتولون السلطة".

ولكن كثيرا من العراقيين الذين كانوا على استعداد للتصريح الإعلامي في الأشهر والسنوات السابقة، أصبحوا أكثر ترددا في الحديث علانية في أبريل/نيسان الحالي. وقال البعض إنهم يمكن أن يتحدثوا عن حقوق الأقليات- مشيرين إلى أن الفصائل المسلحة الإيزيدية والمسيحية قريبة من الفصائل المرتبطة بإيران، على سبيل المثال. وبالتالي فإن الحديث عن حقوق الأقليات "أمر متفق عليه بشكل كبير"– ولكن الحديث عن الميليشيات أو إيران غير مسموح.

وقال كثيرون إن المخاطر القانونية وغيرها اليوم أكبر مما كانت عليه في ظل الحكومة السابقة، وادعوا أن الرقابة الذاتية أصبحت أكثر شيوعا نتيجة لذلك.

وفي غضون ذلك، صرح المسؤولون الأوروبيون في العراق في محادثات غير رسمية أنهم قلقون بشأن تقلص المساحة المتاحة للمجتمع المدني في ظل الحكومة الحالية.

وكان الجبوري قد أكد في مقابلة في سبتمبر/أيلول الماضي أن المزيد من البرغماتية أمر ضروري للعراق لتجنب مصير أسوأ. وبخصوص العراق والمجتمع السني، قال الجبوري: "بالنسبة لنا كمجتمع ضعيف، وبعد ما فعلته (الدولة الإسلامية، المعروفة أيضا باسم داعش)، فإن حمايتنا تكمن في الدولة. وإذا انهارت الدولة..."، وهنا بدأ صوته يضعف.

واختتم حديثه قائلا: "نحن ضعفاء للغاية". "لذا فإن الحل الأفضل هو إصلاح النظام. وأعتقد أن السوداني قادر على إصلاح النظام، أو على الأقل وضعه على المسار الصحيح من أجل البدء في إصلاحه".

font change