الخرطوم - وقعت الحرب... البداية كانت من مطار مروي، ثم العاصمة الخرطوم، ثم امتدت إلى أطراف السودان المختلفة. قبل إعلان الحرب، تأكد أن وجود الجيوش في السياسة باهظ الكلفة ويصعب السيطرة عليه والتنبؤ بتحركات جنرالاته من نطاق السياسة إلى نطاق الحرب والعنف. وهذا ما حدث فعلا في السودان.
جوهر الخلاف الذي ساهم في إطلاق الرصاصة الأولى يتمحور حول النفوذ في المستقبل ومحاولة كل طرف تأكيد وجوده كقوة مؤثرة في المشهد، لكي يضمن من خلال هذا التأثير تحقيق طموحه في السلطة والثروة. وبدأ الصراع ناعما باختلاف المفاهيم والرؤى، وعند تعنت كل طرف والتمترس في رؤيته انتقل المشهد إلى سباق في التحشيد والاستعداد العسكري. في ظل ذلك اجتهد عناصر النظام البائد في دق طبول الحرب وحرصوا على عدم تفويت الفرصة مستخدمين نفوذهم داخل الجيش. وعملوا على التصعيد الذي انتهى بإطلاق الرصاصة الأولى.
قبل وقوع الحرب بثلاثة أيام، اعترض قائد فرقة في الجيش السوداني قوةً من "الدعم السريع" في جوار مطار وقاعدة مروي الجوية، واستفسر عن سبب تحركها ووصولها إلى المنطقة، وطلب منها العودة سريعا. احتقنت الأمور وزادت وتيرة التوتر الى الحد الذي أصدر بموجبه الجيش بيانا كانت بدايته أن الجيش "يدق ناقوس الخطر"، وكان بمثابة إعلان حرب. وقال فيه إن قوات الدعم السريع باتت تتحرك دون إخطار قيادة الجيش، مسببة الهلع للمواطنين. غير أن بيان الجيش تسبب في هلع أكبر، وفهم منه الناس أن الحرب واقعة لا مناص.
منذ تكوين قوات الدعم السريع في 2013 لم تتواجه أو تشتبك مع قوات الجيش السوداني، وكانت العلاقة تسير بحسب ما هو مخطط لها، والسبب في ذلك أن كل طرف كان يحقق ما يريد؛ قوات الدعم السريع تؤدي مهامها في دارفور وتحمي النظام وتحصل على امتيازات مالية وتجارية ومخصصات، والبشير ونظامه يتمتعون بهذه الحماية. بعد الثورة فتح باب جديد بالنسبة لـ"الدعم السريع" على الأقل، وهو باب المشاركة السياسية. ومع الوقت وما جرى خلال الثورة، وما يملك قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي) من مركز مالي واقتصادي، تعاظم طموحه السياسي. وهذا الطموح كان نقطة المفارقة وانتهاء شهر العسل بين "الدعم السريع" والجيش.
الطموح السياسي الذي أدى للمفارقة والخلاف، لم يكن ليتلبس قائد "الدعم السريع" في عهد النظام البائد، لأن الرئيس المخلوع عمر البشير كان يتربع على عرش السلطة بلا منافس، ومجرد التفكير في منافسته تعني الإبعاد الفوري من جواره، ولو كان الطامح من حزب المؤتمر الوطني الحاكم. كما ان حزب المؤتمر الوطني هو من كان يحدد التقدم الى المناصب السياسية، ويملك قائمة لا يمكن أن يجد دقلو اسمه فيها ولو طال الزمن.