ومن المعادلات الدولية الجديدة، اكتساب القوى الإقليمية مزيدا من الاستقلالية وتغليب مصالحها في المقام الأول، ويُعتبر تموضع المملكة العربية السعودية من حرب أوكرانيا أو من حرب الطاقة أو تنويع العلاقات الدولية، مثلا واضحا على المتغيرات الدولية.
من جهة اخرى، سلطت رئاسة الهند الدورية لمجموعة العشرين هذا العام الأضواء على دور نيودلهي في هذه اللحظة الحرجة من العلاقات الدولية، وتظهر الصعوبات في دور الهند بالنسبة إلى الصراع في أوكرانيا، إذ إن التوازن بين ارتباطاتها مع روسيا ومع الولايات المتحدة الأميركية، تفرض عليها موقفاً دقيقاً ينطوي على رقص على الحبل المشدود بين واشنطن وموسكو.
اقرأ أيضا: المسافةُ السياسية بين الصين وروسيا؟
بالفعل كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي مصيباً في تقييمه أن "الحوكمة العالمية فشلت'' وجاء ذلك في خطاب خلال افتتاح اجتماع لوزراء خارجية دول مجموعة العشرين في نيودلهي.
ومن خلال مراقبة أحوال العالم في السنوات الماضية، مع الأزمة المالية والتغير المناخي والجائحة والإرهاب والحروب، يتبين بوضوح أن مؤسسات النظام الدولي المتعددة الأطراف لم تفلح في مواجهة التحديات الأكثر إلحاحا في العالم. لكن البدائل لا تبدو جاهزة في ظل احتدام المجابهة العالمية وتداعيات التخبط الاستراتيجي.
الدروس العسكرية في حرب عالية الوتيرة
كانت روسيا تعتقد أن هجومها في أوكرانيا سيكون مجرد "حرب خاطفة". لكن الصراع تعثر وتفاقم على مدار الأشهر السابقة، من دون معرفة الشكل الذي ستبدو عليه نهاية هذه الحرب الرهيبة.
للتذكير، انخفض الإنفاق العسكري في أوروبا انخفاضا كبيرا خلال العقود الثلاثة من "مكاسب السلام" التي أعقبت سقوط الاتحاد السوفياتي في عام 1991. مع ذلك، فإن ضم روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، أخذ يعيد عقارب الساعة إلى الوراء. والأدهى أن أوروبا ممثلة بألمانيا وفرنسا لم تنجح في تطبيق اتفاقية ميِنسك مما خلق أرضا لجعل أوكرانيا بؤرة نزاع مستديم.
تشير المواجهة الدولية التي بدأت بالوكالة في أوكرانيا إلى عودة الحرب الشديدة الكثافة إلى أوروبا وحصيلتها من الخسائر البشرية والمادية الفادحة، بعدما اعتقدنا أن حروبا كهذه اصبحت وراءنا.
على المستوى الجيوسياسي، يعتبر هذا الصراع أيضا نقطة تحول في مفهوم الدفاع عند الاتحاد الأوروبي: الموقف الجديد لألمانيا؛ الالتزام العسكري للاتحاد الأوروبي في دعم أوكرانيا؛ ظهور الجبهة الشرقية لحلف "الناتو" بقيادة بولندا؛ انضمام فنلندا وقرب انضمام السويد إلى الناتو؛ والسعي للدفاع الجماعي ضمن الإطار الأطلسي أو ضمن قطب استراتيجي مستقل.
بالنسبة إلى الدروس العسكرية البحتة، تعتبر الحرب الدائرة حربا هجينة تجمع بين الحروب الكلاسيكية في القرنين التاسع عشر والعشرين والحرب الحديثة في القرن الحادي والعشرين (التهويل النووي الروسي واستخدام الفضاء الإلكتروني والحرب الإلكترونية وأول مسرح للحرب الفضائية).
ومن بين الدروس الرئيسة، نلاحظ أهمية العمق الاستراتيجي والكتلة البشرية في الهجوم والدفاعات. على الأرض، تدور الاشتباكات في جميع المجالات: البرية والجوية والبحرية والفضائية والسيبرانية، ولكن أيضا على أصعدة المعلومات والمجالات الكهرومغناطيسية.