بدأت القصة حين نشر إيلون ماسك تغريدة على حسابه قبل أيام تحمل رمز "X" فقط من دون أن يفصح عنها شيئا.
سرعان ما تبين أن التغريدة كانت بمثابة إعلان إعدام لتطبيق "تويتر"، والتوجه نحو دمج شركة التواصل الاجتماعي العملاقة مع شركة "أكس كورب" (X Corp) اللتين يملكهما ماسك، ما سيضع نهاية لـ"العصفور الأزرق"، أو حدودا لاستقلاليته، في خطوة نحو إطلاق تطبيق جديد يحمل اسم "أفريثينغ" (Everything) أي "كل شيء"، الذي يطمح لأن يكون أقوى شركة تكنولوجيا مالية، "فينتك" (Fintech)، في العالم، تماما كما كان صرح ماسك خلال أحد مؤتمرات "مورغان ستانلي" عن التكنولوجيا والاعلام والاتصالات في مارس/ آذار الماضي.
هل ينجح إيلون ماسك في تحويل "تويتر" الى تطبيق "كل شيء" الخارق الذي يجمع ما بين شبكة التواصل والمدفوعات والتجارة الإلكترونية والألعاب والأخبار والتسوق وخدمات التوصيل، وأسعار الأسهم والعملات والكريبتو وغيرها من الخدمات؟
الأمر، إذًا، ليس طارئا، والمرحلة الجديدة ستشهد استكمالا لرؤية طموحة تعود إلى أكثر من عشرين عاما حين كانت الانطلاقة المبكرة من "أكس دوت كوم" (X.com)، المصرف الرقمي الذي شارك ماسك في تأسيسه مع هاريس فيكر وكريستوفر باين وإيد هو عام 1999، قبل أن يتحول الى "PayPal"، إحدى أكبر شركات الدفع على الانترنت وأكثرها أهمية فى العالم.
في أكتوبر/تشرين الأول 2022 اعتبر ماسك شراءه "تويتر" محفزا لتسريع إنشاء تطبيق "X"، هو الذي وعد في مناسبات عدة، بأن يجعل "تويتر" المؤسسة المالية الأعلى قيمة في العالم، على الرغم من اعترافه بأن الاستحواذ على "تويتر" كان مؤلما ومجرد "ضغوط عاطفية"، كما صرح في مقابلته مع "بي. بي. سي." التي لاقت انتشارا واسعا الأسبوع الماضي، مذكرا بأنه تعرض لانتقادات قاسية بسبب إقدامه على ذلك في حينه.
تطبيق "X" الخارق
من الواضح أن ماسك، ثاني أغنى شخصية على وجه البسيطة، بحسب آخر تصنيفات "فوربس"، يفعل ما يقول وينفذ ما يخطط له، ويتحين الوقت المناسب للقطاف. فمع وجود 238 مليون مستخدم، سيكون ممكنا الآن تحويل "تويتر" إلى تطبيق يوفر باقة مميزة من الخدمات، ليكون الأول من نوعه في الغرب بهذه القدرات "الخارقة" التي لطالما راودت شركات التكنولوجيا المالية، من مثل "باي بال" الأميركية و"كلارنا" السويدية و"ريفولوت" البريطانية، ويماثل تطبيق "وي تشات" الصيني، "المعيار الذهبي" للتطبيقات الخارقة، التي تجمع، في تطبيق واحد محمول بيد واحدة، بين الشبكات الاجتماعية والمدفوعات والتجارة الإلكترونية والألعاب والأخبار والأحداث والتسوق وخدمات التوصيل وغيرها من الخدمات والتسهيلات. بل يبدو أن ماسك ذاهب الى أبعد من ذلك، بإضافة خدمات تداول الأسهم والعملات المشفرة "كريبتو" على التطبيق المرتقب، وأول الغيث إعلان شراكته مع "إيتورو" (eToro) و"كاش تاغ" (Cash Tag) بحيث يتمكن مستخدمو "تويتر" من متابعة أسعار الأسهم والعملات المشفرة وأصول أخرى مباشرة، كما سيمكنهم الاستثمار عبر "إيتورو" من خلال التطبيق.
تطبيق "وي تشات" الصيني، انطلق كتطبيق محادثة مثل "تويتر"، استقطب نحو مليار مستخدم حتى اليوم، ولن يكون سهلا لإيلون ماسك إطلاق تطبيق شامل يماثله أو ينافسه في الغرب.
إلا أن "وي تشات"، الذي انطلق كتطبيق محادثة مثل "تويتر"، استقطب نحو مليار مستخدم حتى اليوم، لذا فإن التحول الذي سيشهده "تويتر" لن يكون سهلا على الإطلاق، ولا تزال فرص نجاح هذا التحول غير واضحة.
ماسك ورمزية حرف "X"
الحرف أكس "X" أحد أقدس حروف الأبجدية اللاتينية، ورمز المجهول المتغير في الرياضيات، إضافة الى معان لا محدودة أخرى... ولطالما عرف ماسك بتعلقه به منذ بداياته كرائد أعمال، وظهر في مشاريعه التجارية بما في ذلك "سبايس X"، وسيارة تيسلا من نوع "X"، إلى حياته الشخصية وفي تعامله مع "تويتر"، وأخيرا في إطلاقه شركته الجديدة للذكاء الاصطناعي "X.AI"، التي ينظر اليها كمنافس مرتقب لـ"مايكروسوفت" و"أوبن. إي. آي."، والتي ستعمل تحت جناح "أكس كورب" وتزود جميع الكيانات التابعة لماسك الذكاء الاصطناعي التوليدي.
يجسد هذا الحرف-الرمز، بالنسبة الى الرجل، الابتكار والإبداع والسعي الدؤوب إلى شأن أعظم. ولا عجب إن رأينا "أكس كورب" مستقبلا، هي الشركة الأم لكل أعمال الملياردير، كـ"تيسلا" وشركة "بورينغ" و"نيورالينك" و"سبايس أكس". وكانت تأسست ثلاث شركات "أكس قابضة" (X Holdings) لتمويل استحواذ ماسك على "تويتر" الذي موّل بقرض مصرفي قيمته 13 مليار دولار عرف بـ"مشروع X"، ليعتبرها لاحقا في 2020 "فكرة ممتازة" لتوحيد أعماله المتعددة، أي "شركة كل شيء"، وليس مجرد تطبيق لكل شيء.
بعيدا من غرام الرجل بالحرف والرمز، وبلغة الأرقام، يخوض ماسك تحولا حيويا استراتيجيا يسعى من خلاله إلى تحقيق عائد كبير على استثماره في "تويتر". فالتطبيق الذي استحوذ عليه قبل نحو ستة أشهر بـ 44 مليار دولار، لا تتعدى قيمته اليوم 20 مليار دولار، بحسب تقييم داخلي للتطبيق، أي أقل من 50 في المئة من المبلغ الذي استثمره ماسك، ما يفسر تسريحه لعدد هائل من موظفي الشركة. لذا، يبدو جليا أن أحد أهدافه من عملية الدمج اليوم، البدء بترويج تطبيق "X" وإمكاناته المرتقبة، كوسيلة لرفع القيمة الإجمالية للكيان الجديد إلى 250 مليار دولار كما قال ويأمل.
من معارك صرف 80 في المئة من الموظفين الى المعارك مع المغردين الكبار وهاجس القلق على خصوصية البيانات، أي مستقبل ينتظر "تويتر" وهل ينجح في التحول الى "وي تشات" غربي أم يصبح "العصفور الأزرق القتيل"؟
معارك مع المغردين بعد الموظفين
وفيما يستغرق ثاني أثرياء الكوكب في غرامه وطموحاته، فإن خطواته المتسارعة أربكت العديد من المستخدمين الكبار، ولا سيما صنّاع المحتوى وعشاق التغريد الذين يتجه بعضهم إلى التخلي تماما عن "تويتر". فبالتزامن مع هذا المخاض، صنّف ماسك شبكة "بي. بي. سي" البريطانية، على أنها "ممولة من الدولة"، ما أثار غضبها واعتراضها كونها "ممولة من الشعب"، وذلك بعد أيام من تصنيفه شبكة الإذاعة الوطنية العامة الأميركية "NPR" أيضا بأنها "وسيلة إعلامية تابعة للدولة"، قبل أن يعود عن تصنيف "بي. بي. سي." سريعا إثر المقابلة الأخيرة معها، ويبقي "NPR" التي أعلنت وقف استخدام "تويتر"، وكذلك تلتها شبكة التلفزيون والإذاعة الأميركية "PBS" معلنة انسحابها.
على صعيد الموظفين، أقر ماسك في المقابلة التي أجراها معه مراسل "بي بي سي" جيمس كلايتون صرف 80 في المئة من موظفي "تويتر" منذ توليه ملكيتها وإدارتها وقال: "إن عملية خفض العمالة، من 8000 إلى 1500 لم تكن سهلة، وإنها كانت حتمية بدلاً من أن يفقد الموظفون جميعاً وظائفهم بالكامل بعد فترة وجيزة، فلو غرقت السفينة بأكملها، لن ينال أحد وظيفة".
إضافة الى ذلك، أثارت خطوات الدمج المرتقبة قلق المهتمين بخصوصية البيانات. إذ يعتبر إنشاء شركات قابضة من الممارسات الشائعة بهدف تيسير مشاركة البيانات بشكل قانوني بين الكيانات التابعة من دون إشراف. ويزداد منسوب القلق حين نعلم أن أكثر من 57 في المئة من مزودي خدمة "تويتر" هم وسطاء بيانات، بحسب أبحاث حديثة لجامعة "ديوك". وتفسح سياسة الخصوصية في "تويتر" المجال لمثل هذا السلوك بحيث تنص إحدى فقراتها على أنه يجوز للشركة مشاركة البيانات مع هؤلاء الوسطاء. هذا عدا تخلي ماسك عن "مجلس الثقة والأمان" التابع لـ"تويتر" في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهو هيئة استشارية مؤلفة من خبراء من 100 منظمة مدنية وحقوقية مستقلة يساعدون في وضع سياسة الإشراف الخاصة لمعالجة خطاب الكراهية واستغلال الأطفال والانتحار وإيذاء الذات وغيرها من المشكلات على المنصة. مما يعني حالة تأهب قصوى لمواجهة انتهاكات أكبر من تلك التي شهدناها في الأشهر الستة الأولى من إدارة ماسك.
من معارك صرف الموظفين الى المعارك مع المغردين وهاجس القلق على خصوصية البيانات، أي مستقبل ينتظر "تويتر" وهل ينجح في التحول الى "وي تشات" غربي؟ أم يصبح "العصفور الأزرق القتيل"؟ حتى كتابة هذه الكلمات، كل المعلومات والمؤشرات تقول وداعا "تويتر"... أهلا "X"، ولطالما عوّدنا إيلون ماسك على المفاجآت في كل الاتجاهات.