بدايات واعدة
قبل سنوات، عام 2013، أحدثت كاتبة السيناريو مريم نعوم تغييرا في تلقي الدراما المصرية، عندما استلهمت رواية "ذات" للروائي صنع الله إبراهيم، في مسلسل "بنت اسمها ذات"،من إخراج كاملة أبو ذكري. لم يكن هذا الاستلهام سهلا، لأن "ذات" كما كتبها إبراهيم ربما كانت رمزا ومجازا أكثر منها شخصية حقيقية، فكستها نعوم بتفاصيل وملامح امرأة مصرية من نساء الطبقة المتوسطة. وبالمثل، صنعت من شخصية الزوج، ومن محيط "ذات" كله، بمشاركة المخرجة بالطبع، عالما واقعيا مألوفا استقبله المشاهدون آنذاك استقبالا حسنا، إذ وجدوا فيه شيئا حميما وموجعا، وفنا معبّرا عن الحياة الحقيقية.
أثّر هذا المسلسل على صناعة الدراما المصرية بعد ذلك، وأعطى أملا في أن تكون المسلسلات مجددا أكثر من مجرد "تمثيليات" بالمعنى السلبي للكلمة، بل أعمال حقيقية تدعو إلى التأمل والتفكير. لم يمرّ زمن طويل حتى ظهر إلى النور "سجن النساء"، عام 2014، المأخوذ عن عمل أدبي لفتحية العسال، نقلت بدورها بعض شخصياته من الواقع الذي عايشته بنفسها، كان السيناريو والحوار من تأليف مريم نعوم وهالة الزغندي وكان الإخراج أيضا لكاملة أبو ذكري.
استدعاء مسلسل "ذات" لا يعني أن الدراما المصرية كانت منقطعة الصلة بالواقع قبل ذلك، لكن ربما يكون المقصود بالضبط هو التساؤل عن مدى حضور المرأة في هذا الواقع الذي كانت تجسده المرأة، وعن الرؤية التي يُقدَّم من خلالها هذا الواقع، ولصالح أي وجهة نظر. يمكننا على سبيل المثل أن نتذكر المسلسل الشهير، "هو وهي"، من بطولة سعاد حسني وأحمد زكي، الذي يتحدث بفكاهة واستعراض عن علاقة الرجل بالمرأة من دون تقسيم الأدوار للعالم بين الثنائي إلى خير وشر، ولا يزال هذا العمل يُعرض إلى اليوم بنجاح على الشاشات على الرغم من أن تاريخ إنتاجه الأول يعود إلى العام 1985. كان العمل في الأصل من تأليف الكاتبة سناء البيسي، وكتب له السيناريو صلاح جاهين وأخرجه يحيى العلمي.
على المستوى العربي، تركت كاتبات الدراما بصمات لا تُنسى في ذاكرة المشاهدين العرب، فكان المسلسل السوري "الفصول الأربعة" في جزأيه من تأليف كاتبتين هما دلع الرحبي وريم حنا، ومن إخراج حاتم علي. هناك كان في وسعنا أن نجد صلة بين شخصيات العائلة في المسلسل وبين شخصيات عائلتنا نحن في الواقع. كذلك حقق مسلسل "مذكرات عائلة" من تأليف ريم حنا، تأثيرا مشابها، وقبل سنوات أقل بُعدا حصد "عصي الدمع" ببُعده النسوي نجاحا كبيرا، عربيا وليس سوريا فقط، وهو من تأليف دلع الرحبي. من المؤسف أنه في موسم رمضان هذا العام، تكاد تخلو قائمة المسلسلات السورية من اسم لمؤلفة امرأة، وإن كان هناك مُخرجات حاضرات مثل منال عمران ورشا شربتجي.
ما سلف يعني أنه كان دائما في وسع كاتبات الدراما إذا أمسكن بالقلم أن يُقدمن شيئا نفيسا عن الواقع الذي نعيشه، أن يتركن بصمات حساسة على الورق، أن يحكين الحكايات من وجهة نظر الهشاشة، وليس من وجهة نظر القوة، وهذا الاتجاه لا يحتمل حيوات النساء فقط، إنما يحتمل حيوات النساء والرجال معا.
بالتأكيد تطول قائمة الكاتبات العربيات اللواتي شاركن في كتابة الدراما التلفزيونية على المستوى العربي، ما سبق مجرد أمثلة. فالهدف من هذا المقال ليس حصر جهود المرأة ككاتبة دراما، وإن كان الواقع يقول إن الرجل ككاتب لا يزال مسيطرا على المشهد بأعماله ورؤيته للواقع. من جانب آخر لا يسعنا تجاهُل أن بعض كاتبات الدراما عملن وفقا للمنطق التجاري، الذي يغرد مع السرب لا خارجه، حيث لا يزال هناك رجل فِتّوة، أو عالم ينقسم بحدة بين الخير والشر، وعلاقات أفراد الأسرة ليست سوى ذريعة لخلق المزيد من الصراعات ونقاط التوتر، لأن ظروف الصناعة تشجع الكاتبات على العمل "في المضمون" أو وفقا للسياقات السائدة، أكثر مما تشجعهن على التعبير عن العالم من وجهة نظرهن، وهذا يعني أن كاتبات الدراما يحتجن أيضا إلى مناخ إنتاجي مُهيأ وإلى شركاء متفتحين ومغامرين من المخرجين.
في العودة إلى الوضع الحالي، شهد رمضان 2023 تلفزيونيا تقديم مسلسلين ناجحين، لا يتجاوز عدد حلقاتهما خمس عشرة حلقة، هما من تأليف حصري للنساء... العملان هما "الهرشة السابعة" و"كامل العدد".