بعد عشرين عاما على غزو العراق، تقرع التقارير الدولية أجراس الإنذار، محذِّرةً من وضع اقتصادي واجتماعي قاتم في العراق، بالتزامن مع تدهور مستوى الخدمات الأساسية في مجالات الصحة والتعليم والكهرباء وفرص العمل، واضمحلال الزراعة والصناعة ودور القطاع الخاص. الباحث في الأرقام لا يرى سوى عقدين من الاثباتات على هول الكارثة التي ألمت بالبلاد.
خلص تقرير للبنك الدولي تحت عنوان "مراجعة الإنفاق العام للتنمية البشرية في العراق"، في مايو/أيار من عام 2021 إلى أن "الاقتصاد العراقي لا يزال هشا، خصوصا في ظل شبكة محسوبية ومحاصصة تستفيد من عائدات النفط، بدلا من استخدامها في تحسين البنية التحتية وجودة التعليم"، وذلك على الرغم من ثروات البلاد ومن أن الموارد المحققة على مدى جيلين تقدَّر بمئات المليارات من الدولارات أنتجتها الطفرات في أسعار النفط خلال السنوات المنصرمة، أبرزها في عام 2008، عندما بلغ سعر برميل النفط 147 دولارا.
اقتصاد ريعي
يعتمد العراق على عائدات النفط في إدارة الاقتصاد، مما استهلك البنى التحتية للانتاج، وأبقى سياسة الانفاق ريعية بعيدة عن التنمية الاقتصادية والاجتماعية. فقد أنفقت مئات المليارات من الدولارات منذ 2003 على آلاف المشاريع لم ينفذ منها إلا بضعة عشرات فيما معظمها ليس له أساس ولا وجود على أرض الواقع. وتوضح أرقام صندوق النقد الدولي تذبذب النمو خلال سنوات ما بعد الغزو الأميركي، وهو واقع تعكسه الاضطرابات التي شهدها العراق وأبقت اقتصاده في مهب الأخطار الأمنية، بحيث يُنظر إليه على أنه بؤرة لتمويل الارهاب، ولاستفحال الفساد، ولاتساع قاعدة الاقتصاد الاسود، في مقابل ترهل الجهاز الاداري وغياب الدولة الجامعة.
فمن انكماش 11,3 في المئة للناتج المحلي الاجمالي عام 2020، بحسب تقرير البنك الدولي عن العراق في أبريل/نيسان 2022، عاد النمو ليسجل ارتفاعا قياسيا بلغ 7,7 في المئة عام 2021، وليواصل ارتفاعه إلى 9,3 في المئة في 2022، محققا بالقيمة نحو 283 مليار دولار وفقا لصندوق النقد، فيما تشير التوقعات الى تباطؤ النمو في السنوات المقبلة. في المقابل ارتفعت الاحتياطات من النقد الاجنبي لدى البنك المركزي العراقي في مارس/آذار 2023 الماضي، إلى نحو 100 مليار دولار، وهو أعلى مستوى منذ عام 1960، مقارنة بـ 60 مليار دولار في 2021. إلا أن ارتفاع الاحتياط النقدي، لا يعكس حقيقة الاقتصاد العراقي المتأثر بارتفاع أسعار النفط على خلفية الغزو الروسي لأوكرانيا الذي دفع الأسعار الى 100 دولار للبرميل، في العام المنصرم، بعد التعافي من جائحة كوفيد- 19، علما أن لا اهتمام جديا بالبنى التحتية وتنويع الدخل الوطني، فيما البطالة مستفحلة وخط الفقر مرتفع ليطاول نحو 25 في المئة من السكان البالغ عددهم 42,2 مليون نسمة في 2022 بحسب وزارة التخطيط العراقية.