أدى تورط الأجهزة الأمنية السورية في عمليات الخطف والاحتجاز واسعة النطاق التي تطال السكان المقيمين في مناطق سيطرة النظام إلى الحدّ من قدرة الناس على الاعتماد على النظام القضائي لتأمين الإفراج عنهم. ونتيجةً لذلك، لجأت المجتمعات إلى عدالة الشوارع كي تحمي نفسها من الانتهاكات التي ترعاها الدولة، لا سيما في المناطق التي يتمتع فيها النظام بسلطة محدودة. فبالإضافة إلى ممارسة العنف والتهديد به، بات شائعا اليوم أن يقوم الناس بخطف ضباط الأمن والعسكريين واستبدالهم بأقاربهم المعتقلين لدى النظام.
ولئن كان ثمة ما نتعلمه من هذه الممارسة فهو أن الناس لا يزالون ينظرون إلى حكومة الأسد كعدوٌ نشط تجري مواجهته بطريقة أو بأخرى، ولا ينظرون إليها على أنها دولة شرعية يتعين الخضوع لها.
وفيما لم تنقطع عمليات الخطف وتبادل الأسرى طوال فترة الصراع السوري، فإنّها تحدث اليوم بشكل خاص في المناطق التي تشهد ترتيبات لتوزيع السلطة الحساسة القائمة بين النظام والمجتمعات المحلية، كالسويداء ودرعا. ويتّسم العدد الدقيق لحالات الاعتقالات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية بالغموض، وذلك بسبب السرية التي تحيط بحالات الاعتقال، لكن كثيرا ما تتحدث المواقع الإخبارية المحلية عن مثل هذه الحوادث. فعلى سبيل المثال، اعتقلت مديرية الأمن الجنائي في دمشق الشيخ أبي حاتم نبيه أبو تَرابي من السويداء الأسبوع الماضي.
وعلى الرغم من أن السويداء قد بقيت تحت سيطرة النظام طوال فترة النزاع، فقد ظهرت جماعاتٌ مسلحةٌ محلية لحماية مجتمعاتها من التهديدات الخارجية. ووسعت هذه الجماعات من نطاق تفويضها في السنوات الأخيرة، كي يشمل مساعدة زملائها من السكان المقيمين في خطف مسؤولي الدولة حال اعتقل النظام أحدهم أو أخفاه قسريا.
فعلى سبيل المثال، ذُكر أن جهاز المخابرات العسكرية تورط في وقت سابق من هذا العام في اختطاف عدد من رجال السويداء، فما كان من ذوي الضحايا إلا أن نصبوا حواجز متنقلة على الطريق السريع الذي يربط السويداء بدمشق لاصطياد شخصية تتمتع بنفوذ. وبعد إلقاء القبض على أربعة من مسؤولي النظام، أجريت مفاوضات بينهم وبين بعض المسؤولين، أدت في نهاية المطاف إلى إطلاق سراح جميع السجناء.
لكن صفقات تبادل الأسرى لا تقتصر، مع ذلك، على الأفراد المحتجزين محليا. فعلى سبيل المثال، اختطفت مجموعة مسلحة في السويداء ضابطا من اللاذقية خدم في الجيش في السويداء وذلك من أجل التفاوض على إطلاق سراح شاب اختفى في حمص. وفي حالات أخرى، كان مجرد تهديد الجماعات المسلحة المحلية بتصعيد أنشطتها ضد قوات النظام كفيلا بإطلاق سراح بعض المختطفين، كما كان الحال في قضية اعتقال الشيخ أبي حاتم مؤخرا، والذي أطلق سراحه من سجنه في دمشق بعد أن هددت الفصائل المسلحة في السويداء بالتصعيد ما لم يتم إطلاق سراحه فورا.
استمرار العنف الذي ترعاه الدولة والخرق المستمر للاتفاقات وغياب نظام قضائي مستقل، مؤشرات قوية على أنّ عمليات خطف المسؤولين وهجمات الترهيب ضد النظام ستتواصل في المستقبل المنظور كأحد أشكال الحماية الذاتية
وتميل الفصائل المحلية في درعا إلى استخدام العنف لإثبات جديّة تهديداتها. إذ استهدفت مجموعات مسلحة، في مارس/آذار، حاجزاً للنظام السوري في مدينة الصنمين شمال درعا، ردا على اعتقال سيدة في دمشق.
وعلى الرغم من الخلافات القائمة بين السويداء ودرعا، فعادة ما تبدأ الفصائل المحلية المفاوضات في كلتا المحافظتين. وتقوم بتفويض وسيطٍ للتوصل إلى صفقة تبادل مع الجهاز الأمني المعني من أجهزة النظام. وعادة ما يكون الوسطاء من الوجهاء المحليين الذين تربطهم صلات بمسؤولي النظام الحاليين أو المتقاعدين، أو تربطهم صلات بالزعماء الدينيين ورجال الأعمال المتحالفين مع السلطة في دمشق.
يختلف طول المدة الزمنية لهذه المفاوضات باختلاف المكان الذي يجري فيه اعتقال الأشخاص وباختلاف جهاز الأمن التابع للنظام. وتكون مدة التوصل إلى اتفاق نهائي أسرع إذا كان الفرع الأمني المشارك في المفاوضات هو من اعتقل أو اختطف الشخص المقبوض عليه محليا.
إنّ قدرة الفصائل المسلحة المحلية على صد النظام هي تجلٍّ من تجليات قبضة النظام الهشة على السلطة. ففي السويداء، تجنب الأسد المواجهات المباشرة مع الفصائل المسلحة بسبب الروابط الاجتماعية والدينية القوية لهذه الجماعات مع المجتمعات المحلية. فاستهدافهم يهدد بتحول المجتمعات الدرزية في السويداء ضد النظام. وفي المقابل، حاولت دمشق أحيانا فرض سلطتها في درعا، لكن المقاومة المحلية القوية والوجود الروسي هناك حالا دون إحراز أي نجاح حقيقي.
في النهاية، فإن استمرار العنف الذي ترعاه الدولة والخرق المستمر للاتفاقات وغياب نظام قضائي مستقل لمحاسبة قوات الأمن، مؤشرات قوية على أنّ عمليات خطف المسؤولين الأمنيين وهجمات الترهيب ضد النظام ستتواصل على الأغلب في المستقبل المنظور كشكل من أشكال الحماية الذاتية.
وفي غضون ذلك، قد يؤدي توسيع سيطرة الأسد في بعض المناطق السورية– كما هو الحال الآن– إلى تعزيز وجود قواته المسلحة وقدراتها، سوى أنها لن تنجح في إضفاء المزيد من الشرعية على نظامه، حتى في نظر أولئك الذين يعيشون تحت قبضته.