تبدو إسرائيل عند مفترق طرق في ظل الانقسام الكبير في المجتمع الإسرائيلي على خلفية محاولة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو تقويض مكانة السلطة القضائية (المحكمة العليا) لصالح السلطة التشريعية التي يسيطر عليها ائتلافه الحكومي (ليكود + الأحزاب الدينية)، الأمر الذي ينجم عنه إعلاء شأن يهودية الدولة على نظامها الديمقراطي، وتغليب طابعها الديني على طابعها العلماني.
إذا استثنينا مناصري نتنياهو وأحزاب الائتلاف الحكومي، فإن معظم الإسرائيليين يرون في تلك الخطوة محاولة لانقلاب سياسي ولتسيّد نظام من الديكتاتورية والفاشية و"الأبارتايد"، ما يهدد بنشوب نوع من حرب أهلية، بدليل التظاهرات العارمة والمستمرة والصاخبة التي شهدتها المدن الإسرائيلية في الأسابيع الماضية وتخللتها اشتباكات مع الشرطة ومع جماعات من المتطرفين الإسرائيليين المتدينين والقوميين.
أهمية التوصيف بالديكتاتورية والانقلاب والأبارتايد والفاشية أنه لم يعد يصدر عن جهات فلسطينية فقط، إذ بات ذلك يشمل شخصيات وجهات إسرائيلية حتى من بين تلك المحسوبة على اليمين. بل إن حال إسرائيل، في ظل حكومة المتطرفين من مثل وزير المالية بتسلئيل سيموتريتش ووزير الأمن ايتمار بن غفير ونتنياهو نفسه، باتت مبعث قلق أيضا لحلفاء إسرائيل الإستراتيجيين والتاريخيين، في الغرب، بخاصة الولايات المتحدة.
بداية، يفترض التنبيه هنا إلى أن الأزمة الراهنة في إسرائيل تدور أساسا تحت سقف البيت، بمعنى أنها تخصّ علاقات اليهود في إسرائيل بعضهم ببعض، ورؤيتهم لذاتهم وعلاقاتهم في العالم ولا تخص علاقة إسرائيل بالفلسطينيين (في كل أماكن وجودهم) ولا علاقتها بمحيطها، إلا بما يؤثر عليها أو يمسّ بها، وبصورتها في العالم. لكن ذلك لا ينفي وجود أصوات إسرائيلية تقرن بين المسألتين، وتعتبر التطرف، أو التحول، نحو تقليص هامش الديمقراطية والليبيرالية امتدادا للتطرف في السياسة الاستعمارية والعنصرية التي تنتهجها إسرائيل ضد الفلسطينيين.