يسترجع العراقيون راهناً التحولات التي طرأت على حياتهم طوال السنوات العشرين الماضية، منذ اسقاط النظام العراقي السابق، وتأسيس "العراق الجديد". هذا الاسترجاع يأخذ في الكثير من أوجهه سمة "الحنين" إلى ذلك الزمن، بأحداثه ورموزه وشخصياته وقيمه وشكل الحياة وقتئذ، على الرغم من مختلف أنماط القسوة والحرمان التي عاشها العراقيون خلال تلك المرحلة.
هذا "الحنين العراقي" لا يشبه تلك النزعات الطائفية والقومية التي غطت مراحل ومناطق عراقية بذاتها، بقيت تملك ولاء للنظام السابق، وارتباطا به، بناء على هويته الطائفية والمناطقية والقومية. بل يكاد هذا النوع من الحنين أن يكون جامعاً، لا بمعنى أن جميع العراقيين يمتلكونه، بل أن عراقيين متأتين من مختلف المناطق والطوائف والقوميات والهويات السياسية يملكون وشائج روحية وروابط وجدانية مع ذلك الماضي.
هؤلاء العراقيون ليسوا مجرد أفراد، بل هم طبقات واسعة من المجتمع والشعب العراقيين، وممن يعتقدون أن رتابة حياتهم واستقرار عيشهم وشكل ثقافتهم الاجتماعية قد اهتزت كلها منذ ذلك الوقت. هذه المجموعة تضم مثلاً ملايين العراقيين المهجرين من مناطقهم، داخل البلاد وخارجها، مضافا إليهم ملايين من ذوي الضحايا، الذين فقدوا أفراداً من أسرهم، بقي الكثير منهم دون أي معيل بسبب ما جرى خلال هذه التحولات، وإلى جانبهم الذين كانوا ذوي مهن وظيفية مستقرة، ممن كانوا يملكون مواقع اجتماعية مركزية واقتصادية متقدمة بسبب مهنهم ووظائفهم تلك، ومعهم طبقة واسعة من العسكريين العراقيين، كانوا يشكلون مع عائلاتهم في الزمن السابق "سادة القوم".
اقرأ أيضا: العراق ليس وحيداً
إلى جانب هؤلاء، ثمة أناس كثيرون من ذوي الثقافة الاجتماعية "التقليدية"، لا يستطيعون استمراء أنماط من العلاقات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية الجديدة، من أبناء الأرياف والأجيال الأكبر عمرا. فسقوط النظام العراقي السابق في المحصلة، كان نقطة انطلاق العراق للانخراط والانفتاح على كل العالم، بعدما كان بلداً مغلقاً لأكثر من عقدين ونصف العقد على الأقل.
مع كل هؤلاء، ثمة أعضاء الطبقة العليا من جهاز الحكم والإدارة والاقتصاد في هيكل النظام السابق، الذين خسروا كل سطوتهم وامتيازاتهم الاجتماعية والسلطوية والمالية السابقة.