القاهرة: قليل من الكتاب من يمكن أن يتحوّل بنفسه وبكتابته وإبداعه إلى ظاهرة تلفت الأنظار وتثير التعجب والتساؤل، بل وتخلق مع الإعجاب والتقدير عددا من الناقيمن والكارهين لهذا الكاتب وإنتاجه وكتابته! ولا شك أن "أحمد خالد توفيق" استطاع دون رغبة منه ورغم أنفه، كما يقال، أن يتحوّل إلى تلك الظاهرة الكبيرة واسعة الانتشار.
مرت نحو ثلاثين عاما على تجربة الطبيب الشاب أحمد خالد توفيق كتابة قصة في سلسلة توصف بأنها "شعبية"/بوب آرت، "روايات الجيب" والتي أسماها "ما وراء الطبيعة" يخوض فيها غمار عالم كتابة أدب الرعب والغموض عربيا لأول مرةـ، في وقتٍ كانت تلك الكتابات منشغلة بتقديم فكرة البطل الأسطوري الذي يخوض عالم الجاسوسية ويدافع عن الوطن، عبر النموذج الذي قدمه نبيل فاروق في "رجل المستحيل".
ربما يكون من اليسير اليوم الحديث عن ذلك الانتقال الذي يبدو عابرا بين عالمين، وربما لم يتوقف الكثيرون حول طبيعة الكتابة والشخصيات والبناء الذي قدمه أحمد خالد توفيق، ووجد فيه الكثير من القراء الشباب ملاذهم الأدبي الثمين، ولكن الحقيقة أن النقلة كانت نوعية بامتياز، بين بطل أسطوري/خارق، كما يمثله "أدهم صبري" قادر دوما على تحدي الصعاب والتغلب على كل العقبات، بل ولا نبالغ إن قلنا أن يمكن أن يهزم جيشا بمفرده! وبين "واحد من الناس" مثل "رفعت إسماعيل" بطل سلسلة "ما وراء الطبيعة" الطبيب العجوز المتخصص في أمراض الدم الذي يبدو عليه الهزال، والذي لا يواجه إلا الأساطير والعوالم الغريبة، يمتلك موهبة وحيدة هي عقله، يخوض القراء معه عددا من "المغامرات" الشيقة، ولكنها في الوقت نفسه ورغم ما تحويه من غرابة وغموض تحتوي على قدرٍ من الواقعية والسخرية التي وسمت أسلوبه بشكلٍ عام.
لا شك أن شخصية البطل المثالي كانت جذابة بشكلٍ عام، وربما كانت مناسبة لجيل الأحلام القومية الكبرى أيضا، ولكن الزمان اختلف، ولم يعد الإيمان بالبطل الأسطوري مناسبا لا للزمان ولا لطبيعة المجتمع الذي أصبح أكثر تحررا وانفتاحا على عوالم أخرى، من هنا جاء "رفعت إسماعيل" والذين معه أبطال من الواقع مناسبين جدا للمرحلة فالتفّ حولهم القراء، واستعادوا اكتشاف العالم من خلالهم، عبر كتابات أحمد خالد توفيق.
كانت البداية مع "ما وراء الطبيعة" وعالمها الثري، ولكن "ندّاهة" الكتابة أخذت أحمد خالد توفيق إلى ما هو أبعد من ذلك، فبدأ سلسلة أخرى لاتقل جمالا وتشويقا هي سلسلة "سفاري" وبطلها "علاء عبد العظيم" الذي يخوض مغامرات طبية في القارة الإفريقية السمراء، ويظهر فيها الجانب الطبي والعلمي للدكتور أحمد خالد توفيق، ومحاولته التعريف بأماكن وبيئات غير معروفة للقارئ المصري، ثم جاءت سلسلة "فانتازيا" وهي واحدة من أجمل ما كتب أيضا، والتي يقول عنها إنها حلم نابع من ولعه بعوالم الأدب المختلفة، وقدمها ببطلة غير مثالية أيضا ولكنها مثقفة وحالمة هي "عبير عبد الرحمن" التي تخوض مغامرات تنقلنا إلى الشخصيات الأدبية والثقافية الشهيرة، فنتعرف معها على شكسبير، ودوستيوفسكي، وسيبويه، حتى نصل إلى المتنبي والرحالة ابن ماجد، وجيمس بوند .. وغيرهم. وربما كانت هذه السلسلة تحديدا هي السبب في إطلاق الجملة الشهيرة (جعل الشباب يقرأون) على أحمد خالد توفيق، ليس بمعنى أنهم يقرؤون له، وإنما جعلهم يتعرفون على عالم واسع من الأدب عربيا وعالميا بأسلوبه الشيق، مما يجعلهم يتابعون قراءته بعد ذلك..
وهكذا كوّن أحمد خالد توفيق من خلال هذه الكتب والروايات قاعدة جماهيرية عريضة أغلبها من الشباب، وكان يهتم بأن يلتقيهم كلما تسنت له الفرصة، ورغم ارتياحه للبقاء بعيدا عن العاصمة (حيث ولد وتوفي في بلدته طنطا) إلا أنه كان حريصا على لقاء محبيه، وكان يمارس دورا شديد الخصوصية معهم فهو ليس ذلك الأستاذ الذي يعطي النصائح والتوجيهات، وإنما هو الأخ الأكبر الذي يراقب ويسمع باهتمام، بل وكان يقلقه دوما لقب "العراب" ويرى أنه مسؤولية لا يستطيع أن يتحمل تبعاتها.