بعد سلسلة طويلة من الاجتماعات بدأت في عام 2021 بين مسؤولين عراقيين وسوريين، توصل البلدان أخيرا في 5 يناير/كانون الثاني الماضي إلى اتفاق يسمح لشاحنات البضائع السورية بدخول العراق عبر معبر القائم الحدودي. وكان من المفترض أن يُفتح المعبر بالكامل في غضون أيام، إلا أن الأمور لم تتغير بعد مرور ثلاثة أشهر.
لا ينبغي أن يشكل هذا التأخير في تنفيذ الاتفاقية صدمة لأحد، فعلى الرغم من المصافحات التي جرت بين المسؤولين، تمكنت القوى الأجنبية والمحلية المؤثرة من منع افتتاح المعبر حفاظا على مصالحها الخاصة، ناهيك بالخوف من زيادة تهريب المخدرات.
في الماضي، تسبّب تفشي جائحة "كوفيد-19" بشكل رئيسي في إغلاق العراق للمعبر الحدودي الوحيد النشط بين العراق وسوريا أمام سيارات الشحن السورية، حيث أشارت السلطات إلى وجود مخاوف أمنية وصحية. وردّت الحكومة السورية في المقابل بإعلان إجراءات مماثلة على الشاحنات العراقية. نتج من ذلك أن أصحاب الشاحنات التي تنقل البضائع من سوريا إلى العراق أصبحوا مضطرين إلى تفريغ الحمولة عند المعابر الحدودية وإعادة تحميلها على شاحنات عراقية. وينطبق الأمر ذاته على البضائع المتجهة إلى سوريا.
ولكن، حين رفعت الحكومة السورية هذه القيود، لم ترد السلطات العراقية التحية بمثلها. ومنذ ذلك الحين، يحاول المسؤولون السوريون إقناع الحكومة العراقية بالسماح للشاحنات السورية بالعبور إلى داخل البلاد، دون كبير جدوى، علما أن السلطات العراقية تسمح للشاحنات الآتية من دول مجاورة أخرى، كالأردن وإيران، بدخول البلاد دون قيود، ما يثبت أن الحظر على الشاحنات السورية لم يعد متعلقا بمخاوف من جائحة كوفيد-19.
في 1 فبراير/شباط، قلل رئيس الجمعية السورية للشحن والإمداد من أهمية التحديات، ملقيا باللوم على التأخير في إنشاء آلية خاصة مع بغداد للمساعدة في إصدار تأشيرات متعددة الدخول لسائقي الشاحنات السوريين. في غضون ذلك، كان مسؤولون آخرون يرسمون الصورة بشكل مختلف، وربما أكثر دقة. فالاتفاقية لم تُنفَّذ، وفقا لهؤلاء المسؤولين، بسبب وجود اعتراضات من جهات عراقية غير حكومية مؤثرة.
ولا تريد هذه القوى النافذة على الأرجح خفض تكلفة نقل البضائع السورية، وهذا ما سيحدث إذا جرى تنفيذ هذه الاتفاقية، وفي هذه الحال ستكون المنتجات السورية أكثر تنافسية وستضغط على السلع الأخرى، مثل العراقية والإيرانية.
لا تريد بعض القوى العراقية النافذة على الأرجح خفض تكلفة نقل البضائع السورية، وفي هذه الحال ستكون المنتجات السورية أكثر تنافسية وستضغط على السلع الأخرى، مثل العراقية والإيرانية
فوق ذلك، فالمتوقع أن يؤدي خفض تكلفة شحنات البضائع إلى العراق إلى زيادة الصادرات السورية بنسبة 100 في المئة. في الوقت الحالي، تبلغ تكلفة شحن شاحنة محملة من سوريا إلى العراق 6000-7000 دولار. بالمقارنة، تبلغ تكلفة شحنة مماثلة تدخل من تركيا نحو 2200 دولار. ويذهب هذا الفارق في التكاليف إلى الجماعات المسؤولة عن نقل البضائع إلى الشاحنات العراقية عند معبر القائم الحدودي قبل نقلها إلى وجهتها النهائية داخل البلاد. من الواضح أن هذه الشركات ستخسر الكثير إذا تم تخفيف القيود.
لكن ليس هؤلاء المستفيدون وحدهم من يعارض رفع الحظر، فهناك مخاوف أخرى من أن يؤدي تخفيف القيود إلى زيادة حجم المخدرات المهربة من سوريا. وفي محادثة خاصة، قال مسؤول عراقي لكاتب هذه السطور إن الجهات العراقية الفاعلة تتشاطر هذه المخاوف مع الولايات المتحدة ودول الخليج. وبحسب ما ورد، فإن هذه الجهات تستخدم قنوات مختلفة للضغط من أجل الحفاظ على الوضع الحالي، خوفا من أن يؤدي أي تغيير في الوضع، على الأرجح، إلى زيادة تدفق المخدرات إلى العراق وعبره.
وأوضح المصدر أن بعضا من أعضاء "الحشد الشعبي" في العراق يعارضون رفع الحظر، وإن لدوافع مختلفة تماما. وبحسب ما ورد، فإن تلك الميليشيات تستخدم سيطرتها على المعابر غير الشرعية مع سوريا لتسهيل عمليات تهريب المخدرات. لذا، هي قلقة من أن يؤثر رفع الحظر على احتكارها لهذه التجارة غير المشروعة، من خلال السماح للجهات الفاعلة الأخرى بتهريب المخدرات دون دفع مستحقاتها.
وقد يدفع التطبيع العربي المتزايد مع النظام السوري بعد الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا، الجهات المؤثرة التي تقاوم الاتفاق الجديد إلى تعديل موقفها. مع ذلك، قد تكون الدوافع وراء تغيير الموقف - إذا حدث- هي الفوائد الاقتصادية التي يمكن أن تتأتى من إعادة الزعيم السوري بشار الأسد إلى الحظيرة العربية.
في عبارة أخرى، لن يكون تنفيذ الاتفاقية الجديدة نتيجة لكبح جماح الأطراف غير الحكوميين المستفيدين من الوضع الحالي. إذ على العكس من ذلك، من المحتمل أن يسمح لهم تنفيذها بإيجاد طرق جديدة لتوسيع مكاسبهم من خلال تمكين قطاع المخدرات السوري من النمو بشكل كبير، وتشكيل أخطار صحية وأمنية متزايدة على العراق والمنطقة برمتها، وقد تتجاوز المنطقة إلى ما عداها.