قد يصعب أن نحدّد من الفيلسوف الأعظم في الثقافة العربية الإسلامية، لكن إن كان لي أن أرشح فيلسوفا بعينه، فسيكون محيي الدين ابن عربي الطائي. لدينا الفارابي وابن سينا وابن باجة وابن رشد وغيرهم، وهم عظماء حقا لكنهم كانوا محصورين في إطار قديم اسمه فلسفة أرسطو. لا أقول إنهم مجرد مترجمين، فقد فرّعوا على الأرسطية ورد ابن سينا بجرأة على المعلم الأول، لكنهم لم يخرجوا قط عن المضمار.
ابن عربي ليس غريبا على الفلسفة الإغريقية فهو يعرفها جيدا، وهذا ما يظهر في بعض نصوصه، وأعتقد أنه تعلم من تلخيصات ابن رشد ما فيه الكفاية، ثم أعلن الانفصال عن هذه الفلسفة برفضه فلسفة ابن رشد والإغريق بعامة. ابن عربي هو جوابنا على من يقول إن العرب لم ينتجوا فلسفة، وإن فلاسفتهم ليسوا عربا وإنما هم من الأمم التي دخلت الإسلام. فهو ينتمي إلى قبيلة طي العربية وقد تقدم ببناء فلسفي ميتافيزيقي يشبه بناء هيغل الفلسفي الميتافيزيقي، وهو بناء أصيل لا يقوم على شيء خارج الثقافة العربية الإسلامية.
في أي قسم تندرج فلسفة ابن عربي؟ لا شك أنها في فلسفة الدين:
لقد صار قلبي قابلا كل صورة
فمرعى لغزلان وديرٍ لرهبانِ
أدين بدين الحب أنى توجهت
ركائبه فالحب ديني وإيماني
نحن أمام إنسان متفرّد حقا وفيلسوف عظيم، خصوصا عندما نتذكر دموية العصور الوسطى وغرقها في التكفير المتبادل والحروب الدينية وما ترتب عليها من قتل وتشريد. نحن أمام إنسان امتلأ قلبه بشعور فياض يتلألأ بالمحبة لكل البشر في زمن المشي على الجماجم. ولأن الإنسان هو روح العالم، لم يعد يفرق بين مسلم وغير مسلم، بل صار يُحبهم ويرحمهم جميعا، فالحب قضية جوهرية في فلسفة ابن عربي، والعالم ما أوجده الله إلا من الحب، والحب يستصحب جميع المقامات والأحوال، ويسري في كل شيء.