من المؤكّد أن قرار المدعي العام لمقاطعة مانهاتن ألفين براغ بتوجيه اتهام رسمي بتزوير سجلات تجارية، إلى الرئيس الاميركي السابق دونالد ترمب سيتسبّب بخلق دراما سياسية جيدة. ولكنه لن يتمكن على الأرجح من معالجة الانقسامات السياسية العميقة التي تمزق البلاد.
فبينما لا تزال اميركا تجهد لحلّ الهجوم العنيف في السادس من يناير/ كانون الثاني 2021، على مبنى الكابيتول في واشنطن قلْبِ الديمقراطية الاميركية، بعد هزيمة ترمب في الانتخابات الرئاسية لعام 2020، لن يؤدّي مشهد رئيس اميركي سابق وهو يُجرّ ليمثل أمام قاضي في محكمة بمانهاتن إلا إلى تفاقم التوتر.
ولا شك في أن ظهور ترمب في محكمة نيويورك يعطيه تميّزا لا يرغب فيه أحد بأن يصبح أول رئيس حالي أو سابق يواجه لائحة اتهام جنائية بتهم تتعلق بمزاعم أنه دفع مبالغ مالية لنجمة الافلام الإباحية ستورمي دانيلز ليمنعها من الكشف عن تفاصيل علاقة مزعومة بينهما.
تُصنف التهم المتعلقة بتزوير السجلات التجارية على أنها جناية من الفئة "هاء" (E) في الولايات المتحدة، التي يمكن ان تصل عقوبتها إلى أربع سنوات في السجن. سوى أن من النادر أن يُحكم على مرتكب هذه الجريمة بالسجن الفعلي إذا كانت تلك هي المرّة الأولى التي يرتكبها المتهم، فالمرجح إذن أن يعاقب ترمب بدفع غرامة مالية في حالة إدانته.
لكن الرئيس السابق ما فتئ، على الرغم من الاتهامات المتعلقة بأنشطته التجارية، يصرّ على أن التهم الموجهة إليه سياسية المنشأ والغاية، ويزعم أنها مصممة لنسف فرص إعادة انتخابه رئيساً في انتخابات الرئاسة العام المقبل.
وتماما كما فعل قبل أحداث الشغب في الكابيتول في يناير 2021، دعا ترمب أنصاره من جديد إلى "الاحتجاج والاحتجاج والاحتجاج" على التهم الموجهة إليه.
وليس من المرجّح تكرار المشاهد المروعة في مبنى الكابيتول التي شوهت سمعة اميركا كونها منارة للديمقراطية، ولكن قرار محاكمة الرئيس السابق سيؤدي بلا شك إلى مزيد من الانقسام والاستقطاب في السياسة الاميركية.
والغريب أن ترمب لا يبدو عليه التأثر بما يمكن أن يحمله المثول أمام قاض في محاكمة جنائية من العار، بل على العكس من ذلك. فقد نجح في تحويل عملية قد يجدها معظم البشر الآخرين محرجة للغاية إلى ما يعادل حشدا انتخابيا، حيث تتبع طواقم التلفزيون من جميع الشبكات الإخبارية الاميركية الكبرى كل تحركاته أثناء انتقاله من مقر إقامته في فلوريدا إلى نيويورك للدفاع عن نفسه ضدّ التهم الموجهة إليه.
والحال أن ردّ ترمب منذ البداية على الاتهامات كان بتقديم نفسه كضحية لحملة منسقة سياسيا لتدمير سمعته السياسية. وقبل سفره إلى نيويورك، أعلن مساعدوه أن ترمب مستعد لمحاربة "الظلم والاضطهاد واستخدام [نظام العدالة] كسلاح من قبل منافسيه الديمقراطيين.
ليس من المرجّح تكرار المشاهد المروعة في مبنى الكابيتول التي شوهت سمعة اميركا كونها منارة للديمقراطية، ولكن قرار محاكمة الرئيس السابق سيؤدي بلا شك إلى مزيد من الانقسام والاستقطاب في السياسة الاميركية
يكتسب ادعاء ترمب بتعرضه لاضطهاد غير عادل زخما بين الجمهوريين من جميع الأطياف، لدرجة أن الرئيس السابق شهد بالفعل زيادة في التأييد في معدلات استطلاعات الرأي الخاصة به منذ الإعلان عن التهم.
وبحسب آخر استطلاع أجرته "رويترز/إبسوس"، يقول 48 في المئة من الجمهوريين الآن إنهم يؤيدون ترمب ليكون مرشح حزبهم في العام المقبل، في ارتفاع من 44 في المئة في استطلاع مماثل أُجري قبل وقت قصير من توجيه الاتهام إليه. وعلى النقيض من ذلك، لا يزيد الدعم المقدّم إلى أقرب منافسيه، حاكم فلوريدا رون ديسانتيس، على 19 في المئة فقط، بينما كانت نسبته 30 في المئة في الاستطلاع السابق. ولم يحظَ أي من المنافسين الآخرين بنسبة تزيد عن العشرة في المئة.
في غضون ذلك، صبّ الناشطون اليمينيون جام غضبهم على المدعي العام في مانهاتن المسؤول عن توجيه الاتهامات، حيث أمطروا مكتب براغ بمزاعم بالتدخل في الانتخابات.
ومع تنامي ردود الفعل ضدّ لائحة الاتهام، ثمّة وفرة ممن لا يؤيدون ترمب يجادلون في أن توجيه الاتهام إليه قد يكون خطوة مبالغا فيها جدا بالنسبة لاميركا. ومن بين هؤلاء النائب العام السابق في إدارة ترمب، بيل بار، الذي انشق عنه في عام 2021 وقال "أعتقد أن هذه لحظة فاصلة، ولا أحسب الأمر سيعود في نهاية المطاف بالفائدة على البلاد."
ولا يُستبعَد أن يسبب احتمال تورط ترمب في قضية مثيرة للجدل في المحكمة في نفس الوقت الذي يخوض فيه الانتخابات الرئاسية الاميركية، المتاعب للرئيس الاميركي جو بايدن الذي قد يجد نفسه محاصرا بالهيجان الإعلامي بسبب الملاحقة الجنائية لرئيس سابق.
في المقابل، لا يزال الصمت المطبق يخيّم حتى الآن على القادة الديمقراطيين الذين كانوا اتهموا ترمب بارتكاب مخالفات على عدد من الجبهاتز بل أن الاحتمالات لا تزال قائمة في أن يواجه الرئيس السابق اتهامات أخرى نتيجة تحقيقات منفصلة، بما في ذلك الاتهام المتعلق بدورة في الدعوة الى الاعتداء على مبنى الكابيتول.
لكن كلما غرق ترمب في التحقيقات، كان هوس وسائل الإعلام الاميركية بتغطية كل خطوة يقوم بها الرجل يتضاعف. الى درجة أنه عندما كان ترمب يطير، يوم الإثنين، إلى نيويورك في طائرته الخاصة، ركزت التغطية الإخبارية بالكامل تقريبا على تحركاته، في حين أن بايدن، الذي كان في زيارة الى ولاية مينيسوتا للحديث عن البنية التحتية وخلْق فرص العمل، لم يكد يحصل على أي تغطية لزيارته.
ولكن، بينما يمكن لمواجهة ترمب للمحاكمة أن تساعده في تعزيز احتمالات إعادة انتخابه، فلا يزال أمام الرئيس السابق الكثير من العقبات الكأداء التي عليه أن يتغلب عليها إذا أراد تجنب إدانته.
التحدي الأكبر الذي يواجه ترمب في معركته لتبرئة اسمه هو، إلى حد بعيد، الشهادة التي من المرجح أن يقدمها مايكل كوهين، مساعد ترمب المقرب السابق والذي من المقرر الآن أن يكون الشاهد النجم في المحاكمة الجنائية التاريخية للرئيس المتهم.
ويثأر كوهين من ترمب الآن بعد أن قضى عقوبة بالسجن بتهمة الاحتيال وانتهاك قوانين تمويل الحملات عندما كان يعمل لدى ترمب، بجعله يواجه المحاكمة. وفي حال نجاحه، فإن محاولات ترمب لإثبات براءته ستنتهي الى الفشل، مع كل ما يترتب على ذلك في محاولاته للعودة إلى البيت الأبيض.