وقّع الرئيس فلاديمير بوتين بعد اجتماعه بمجلس الأمن الروسي في 31 مارس/آذار 2023 العقيدة الجديدة للسياسة الخارجية لبلاده، موضحاً في كلمة له "لقد تطلبت منا التغييرات الجذرية في الحياة الدولية أنّ نعدّل بجديّة وثائق التخطيط الاستراتيجي الرئيسية، ومن بينها مفهوم سياسة روسيا الخارجية، الذي يحدّد مبادئ النشاط الديبلوماسي ومهامه وأولوياته".
دور روسيا الجديد قدّمه الرئيس بوتين في إطار أكاديمي اعتدناه في الوثائق الأميركية لا سيما منها الاستراتيجيا الدفاعية الوطنية التي يُدرج فيها البنتاغون بوضوح أولويات استهدافاته، وقد حدّدها هذه السنة بالصين وروسيا وكوريا الشمالية وإيران والمنظّمات المتطرفة العنيفة. تحدّد الوثيقة الروسية المجالات ذات الأولوية والأهداف ومهام الأنشطة الدولية للبلاد، وهي خريطة طريق لوزارة الخارجية والوزارات والإدارات الأخرى.
فهل يطمح بوتين الى التموضع في موقع القطب الدولي المسؤول عن إعادة التوازن المفقود الى العالم؟ وفي أي سياق يمكن قراءة دلالات هذه العقيدة الجديدة وآفاقها؟
في الخلفية التاريخية
لا بدّ من العودة الى الأنماط التاريخية للسياسة الخارجية الروسية التي تمثّل نقطة انطلاق ملزمة لفهم ما يحدث، فمواقف روسيا لا تزال تدور في فلك الفكر الروسي (والسوفياتي) التاريخي حيال المصالح الأمنية والسياسية الخارجية، ليس فقط على مدى العقود الماضية وإنما لثلاثة قرون خلت منذ عهد القيصر بطرس الأكبر. لقد سجّلت وقائع التاريخ تعرّض روسيا لغزوات قوى أوروبية ناشئة في مناسبات عدة، حيث كانت تسعى بشكل متكرر لحماية نفسها من خلال فرض هيمنتها على الدول الواقعة على حدودها، بما في ذلك بلدان وسط وشرق أوروبا.
ذهب العديد من الباحثين الغربيين إلى القول بأنّ الشعور بعدم الأمان كان الدافع المحرّك للنزعة التوسّعية الروسية والسوفياتية، وساهم هذا الشعور في ميل روسيا الى النظر الى البلدان الأخرى على أنها تهديد محتمل بغضّ النظر عما إذا كان لتلك البلدان أيّ نيات عدوانية أم لا، أو قدرة على الوقوف في وجه المصالح الروسية. وأشار القادة الروس ومنهم الرئيس بوتين الى مثل هذه الأنماط من العلاقات عند زعمهم بحق روسيا التاريخي في الهيمنة على المناطق المحيطة بها، وربما كان غزو أوكرانيا عام 2014 مجرد ردّ فعل استراتيجي طبيعي للزحف الغربي على أراضٍ تعتبرها روسيا جزءاً من أراضيها.