يتجول المرء في مختلف أحياء مدينة كركوك العراقية، المتصارع عليها سياسياً وأمنياً واقتصادياً بين إقليم كردستان والحكومة المركزية، فلا يلاحظ أي اختلاف بين سكان أحياء المدينة المتنوعة عرقيا. من أقصى شمال غرب المدينة، في أحياء رحيماوى والشورجى وبارود خانة وإمام قاسم ذات الأغلبية السكانية الكردية المطلقة، مرورا بوسطها التاريخي في أحياء أحمد آغا وحسيركى، التركمانية الكردية المختلطة وحتى الجنوب والجنوب الشرقي في مناطق القادسية والعروبة الشهداء والمندودة والأول من حزيران، العربية تماماً، تتطابق مختلف المناطق بصرياً وسكانياً وثقافياً واقتصادياً وخدمياً فيما بينها.
إذ تبدو جميعها جزءا من مدينة مُتعبة وعشوائية ومهملة، قليلة التنمية وفرص العمل، تعاني تلوثاً بيئياً شديداً، أصاب الجفاف نهرها (خاصاسو) الذي بُنيت المدينة القديمة على ضفتيه، وصارت قلعتها التاريخية مترهلة ودون أية عناية وإعادة تشييد. وخلا بعض مظاهر الزي الشعبي ولكنات اللهجات الشعبية، تبدو مدينة كركوك بسكانها وشكل الحياة داخلها مكاناً هادئاً ومتداخلاً وحيوياً، ليس من حواجز ثقافية أو أمنية أو طبقية ضمنها قط.
لكنه مشهد بصري ظاهر فحسب. وخلفه، ثمة استقطاب وخلاف سياسي واقتصادي وأمني مرير تشهده المدينة، ممتد منذ تأسيس الدولة العراقية قبل قرابة قرنٍ وحتى الآن، أساسه الصراع على الهوية القومية للمدينة والمحافظة، وتالياً شكل حكمها وتابعيتها ومستقبلها السياسي.
مدينة كركوك، وكامل المحافظة، تبدوان راهناً بؤرة لأشكال كثيرة من الصراع بين القوى السياسية الممثلة لسكانها المحليين، تمتد من الاختلاف بشأن ملكية الأراضي الزراعية بين سكان الأرياف، التي يشكوا الأكراد والتركمان من بينهم، من استمرار سياسات التعريب الممنهج، ويمتد إلى الملف الأمني الشائك، حيث يقول الأكراد والتركمان إنهم محرومون من المشاركة في الإدارة الأمنية، ويصل إلى الحيز السياسي، حيث ثمة خلاف شديد بشأن سجل الناخبين، الذي تقول القوى السياسية العربية بأنه لا يضم عشرات الآلاف منهم، على الرغم من كونهم "السكان الأصليون" الذين يحق لهم التصويت في الانتخابات المحلية المرتقبة خلال هذا العام.
تلك القضايا التي يتداخل فيها الصراع القومي المحلي مع اشكال نفوذ القوى السياسية العراقية الأخرى ومعها الأجندات الإقليمية، وإلى حد ما الصراعات الدولية المتعلقة بشؤون الطاقة وإدارة التوازنات ضمن العراق.