شكّلت السياسات التي تنتهجها حكومة نتنياهو، التي باتت تعرّف بوصفها الأكثر تطرّفا بين حكومات إسرائيل منذ إقامة الدولة الغاصبة (1948)، مفاجأة صادمة لمعظم الأطراف الدوليين والإقليميين، سواء بمحاولتها تهميش الطابع الليبيرالي والعلماني والديموقراطي لإسرائيل، أو بسياساتها إزاء الفلسطينيين، ورؤيتها لذاتها ولدورها في الإقليم، وعلى الصعيد الدولي.
مشكلة إسرائيل، هذه المرة، لا تتعلّق باستهدافها الفلسطينيين، فقط، من طريق الاعتقال والقتل وتقويض عملية التسوية معهم، واستمرار الاحتلال والاستيطان وهدم البيوت، وانتهاك المقدسات؛ فكل تلك السياسات ظل أصدقاء إسرائيل يتحملونها، أو يسكتون عنها، أو يغطّونها، باستثناء تعبيرهم عن القلق في بعض بيانات، طوال 56 عاما (أي منذ الاحتلال 1967).
التجرّؤ على دولة عربية
لقد تجاوزت إسرائيل حدودها بالتجرّؤ على دولة عربية، هي الأردن، المنضوية مع تل أبيب في منظومة إقليمية، سياسية وأمنية واقتصادية، في خطاب لـبتسلئيل سموتريتش (باريس، 20/3) وزير المالية، ووزير دولة في وزارة الدفاع (كمسؤول عن الإدارة المدنية في الضفة)، وزعيم حزب الصهيونية الدينية، نفى فيه وجود الشعب الفلسطيني؛ بعدما طالب قبل ذلك بمحو بلدة حوارة (قرب نابلس).
وبحسب محللين إسرائيليين فقد ألحق ذلك الخطاب، الذي تبعه إلغاء قانون فك الارتباط الذي وضع سنة 2005 ونظم تفكيك مستوطنات قطاع غزة وأربع مستوطنات أخرى في الضفة الغربية، ضررا كبيرا بإسرائيل، وبصورتها وعلاقاتها الإقليمية والدولية، لا سيما في ظرف الانقسام السياسي الحاصل فيها. فالمحلل الإسرائيلي عيناب جليلي، مثلا، وصف تلك التصريحات بالمقززة والمحرجة، معتبرا "نفي الفلسطينيين من الوزير سموتريتش، وإلى جانبه خريطة إسرائيل في حجم أمبراطورية جنكيز خان: مصيبة. من ناحية الضرر الأقصى بالحلفاء. وقد أجيز هذا الأسبوع في الكنيست. قانون إلغاء فك الارتباط. خطوة استقبلها البيت الأبيض كاستفزاز قاس، وخرق فظ للاتفاقات... وضرر بحصانة إسرائيل وصورتها ومكانتها" ("يديعوت أحرونوت"، 23/3/2023).
وكتب يوسي فيرتر: "سموتريتش، ألقى خطاباً وخلفه شعار استفزازي "ضفتان للأردن"، يشعل حريقاً في وجه المملكة الجارة. ويتصل الرئيس الأميركي برئيس الحكومة كي لا يدعوه إلى البيت الأبيض وليشرح له ما هي الديموقراطية" ("هآرتس"، 22/3/2023).
والحال فإن مواقف سموتريتش، وبن غفير (وزير الأمن القومي)، وزعيم حزب "قوة اليهودية"، ونتنياهو ذاته، باتت تشكّل احراجا كبيرا لأصدقاء إسرائيل، خصوصا الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وأيضا الأطراف العرب الذين يرتبطون بعلاقات تطبيعية معها، إذ كشفت إسرائيل عن حقيقتها، أكثر من أية فترة مضت، كدولة متعصّبة وعنصرية ودينية في الداخل، إزاء اليهود أنفسهم، في علاقتهم ببعضهم، وعلاقتهم بالدولة، وإزاء الفلسطينيين، سواء من "مواطنيها" أو من فلسطينيي الأراضي المحتلة (1967)، كما بدت عدوانية واستفزازية في محيطها، وحتى في مخاطبتها الغرب، بعدما كانت حريصة على التأكيد أنها امتداد له في المنطقة، وواحة للديموقراطية فيها، وبتمثلها قيم الليبيرالية والعلمانية والحداثة الغربية ذاتها.