بعد نجاحها في اصدار الصكوك السيادية الأخير تعكف الحكومة المصرية حالياً على وضع سيناريوهات للتعامل مع الاستحقاقات المالية المستقبلية في عامي 2023 و2024، في ضوء الظروف الاقتصادية الداخلية والدولية الراهنة، ولا سيما لجهة استمرار الحرب الروسية الأوكرانية. وإذ لجأت وزارة المالية الى هذا النوع الجديد من التمويل على الرغم من كلفته المرتفعة نسبيا والتي بلغت 11 في المئة، تسعى الحكومة الى تنويع مصادر الاستدانة، إضافة الى السندات وأذون الخزانة بالعملة المحلية أو المقومة بالعملة الأجنبية، بهدف اجتذاب مستثمرين جدد وتنويع شرائح الاستثمار لتسديداحتياجات الموازنة العامة. لكن الأهم الذي ينتظره القطاع الخاص المصري هو بدء تنفيذ بيع حصص تملكها الدولة في 32 شركة تنفيذا لما تعهدت به في وثيقة سياسة ملكية الدولة، التي تتضمن توجها نحو المزيد من تمكين القطاع الخاص وتعزيز نهج الشراكة بين القطاعين العام والخاص والحياد التنافسي في النشاط الاقتصادي.
وكانت مصر نجحت في بيع صكوكٍ سيادية للمرة الأولى في الأسواق العالمية، بقيمة 1,5 مليار دولار، وبلغت قيمة الاكتتاب نحو 6,1 مليارات دولار بما يعني تغطية الاكتتاب بأكثر من أربع مرات، ليغلق تسعير الإصدار بزيادة نحو 11 في المئة، وسط إقبال ملحوظ من المستثمرين، تخطى عددهم الـ 250 مستثمراً في مختلف أسواق المال العالمية الذين تقدموا بطلبات شراء. ووضعت برنامجاً دولياً لإصدارات الصكوك السيادية لأعوام مقبلة بقيمة خمسة مليارات دولار. وكان آخر طرح لمصر في سوق أدوات الدين العالمي منذ ثلاث سنوات بلغ سعر عائده 5,8 في المئة، إلا أن ارتفاع سعر الفائدة على الدولار من 1 في المئة إلى 4,5 في المئة، يبرر سعر العائد على الصكوك الذي يعد جيدا بحسب خبراء.
"الساموراي" و "الباندا"
ولفت كبير الاقتصاديين في "المجموعة المالية – هيرمس" محمد أبو باشا الى أن الحكومة لجأت إلى إصدار الصكوك السيادية في هذا التوقيت لأنه الحل الأسرع نظراً لما واجهته من مطالبة بتسديد سندات دولية بقيمة 1,25 مليار دولار في يوم الطرح. وقال أبو باشا لـ "المجلة": "تنوع مصر مصادر تمويلها وطرحت العام الماضي سندات "الساموراي" المقومة بالين الياباني بما يساوي نحو 500 مليون دولار لهذا الهدف لافتاً إلى أن الإقبال على الصكوك كان جيداً، وتخطط مصر لطرح سندات "الباندا" المقومة باليوان في السوق الصينية، خلال السنة المالية الجارية، بما يوازي 500 مليون دولار، إضافة إلى درس طرح صكوك سيادية إسلامية بالجنيه المصري في السوق المحلية في ضوء توافر السيولة، لكنها لم تحدد قيمة الطرح حتى الآن، إذ أنها لا تزال تدرس طريقة التنفيذ وآلياته. ولا تعتزم الحكومة طرح أي سندات دولية "يوروبوندز" خلال السنة المالية الجارية.
واعتبر أبو باشا أن تلك التنويعات في الاستدانة هي لاجتذاب سيولة إضافية إلى سوق الأوراق المالية، وتوسيع سلة العملات، وتقليل المخاطر المتعلقة بالدين العام والعملات الأجنبية حيث لا يكون هناك خطر مركز في عملة واحدة". ولفت إلى أن ارتفاع كلفة الدين جاء نتيجة لقفزة معدلات الفائدة الأميركية والحرب الروسية الأوكرانيةالتي دخلت عامها الثاني، مشيراً إلى أن هذه تحديات تواجه البلدان الناشئة ناهيك عن خفض التصنيف، ذلك أن وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية خفضت تصنيف مصر السيادي درجة واحدة من "B2" إلى "B3" ما مثل ضربة موجعة للوضع المالي في مصر ودفع المسؤولين المصريين إلى البحث عن تمويلات جديدة والسعي إلى مزيد من الاستثمارات من دول خليجية".
وألمح أبو باشا إلى أن سوق الصكوك في الفترة الماضية لم تلق إقبالاً في دول الخليج لوجود فوائض كبيرة فيها بعد فترة كانت فيها أكبر الإصدارات في سوق الصكوك تجري في هذه الدول إضافة الى تركيا وماليزيا. واعطى مثالاً دبي التي استحق عليها تسديد صكين فدفعت المستحقات قبل موعد الاستحقاق. وتوقع أبو باشا تحسن الأوضاع الاقتصادية في النصف الثاني من السنة الجارية لوجود عوامل داخلية وخارجية لكن ذلك يتوقف على قرارات مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي في شأن معدلات الفائدة. أما على الصعيد المصري فألمح أبو باشا إلى انتظار التطورات الإيجابية في شأن الطروح المزمعة للدولة في البورصة والإصلاحات الاقتصادية والشفافية واستقرار العملة لجذب الاستثمار.