لماذا نقلت أميركا حربها على الارهاب الى افريقيا؟https://www.majalla.com/node/288296/%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/%D9%84%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D9%86%D9%82%D9%84%D8%AA-%D8%A3%D9%85%D9%8A%D8%B1%D9%83%D8%A7-%D8%AD%D8%B1%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%B1%D9%87%D8%A7%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%89-%D8%A7%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A7%D8%9F
بغداد– تتزايد المخاوف من التهديدات التي تشكلها الجماعات الإرهابية العابرة للحدود في مناطق عدة في أفريقيا، في وقتٍ تتقلص فيه أنشطة التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
وترتبط جماعات عدة منها بتنظيم "القاعدة"، سواء من طريق المبايعة أو بطرق أخرى.
وكانت الولايات المتحدة أعادت قواتها إلى الصومال العام الماضي بعدما سحبتها في الفترة ما بين ديسمبر/كانون الأول 2020 ويناير/كانون الثاني 2021.
في المقابل، تمركزت، منذ شهر أغسطس/آب الماضي، وحدة كوماندوس صومالية مدربة ومدعومة من الولايات المتحدة في الخطوط الأمامية للجبهات المتقدمة ضد "حركة الشباب". وتَعتبر واشنطن هذه الحركةَ "أكبر وأغنى وأخطر جماعة تابعة للقاعدة في العالم اليوم"، بحسب بيان صدر في مارس/آذار 2022 عن قائد القيادة الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) في ذلك الوقت.
ووفقا لموقعها الرسمي على الإنترنت، فإن "مهمة أفريكوم هي العمل مع الشركاء لمواجهة التهديدات العابرة للحدود والجهات الخطيرة، وتمكين قوات الأمن، ومواجهة الأزمات لتعزيز المصالح القومية للولايات المتحدة وتعزيز الأمن والاستقرار والازدهار الإقليمي".
وأشارت متحدثة باسم القيادة الأميركية في أفريقيا ردّا على أسئلة طرحتها عليها مجلة "المجلة" في 8 مارس/آذار إلى أن "حركة الشباب وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وهما من أكبر تنظيمات القاعدة وأكثرها نشاطا، بالإضافة إلى الجماعات التابعة لـ"داعش"، ما زالتا تسعيان لإيجاد ملاذ آمن في أفريقيا، مما يشكل عبئا إقليميا عابرا للحدود على شركائنا الأفارقة وتهديدا للأميركيين وشركائنا الآخرين. ولا تزال حركة الشباب تتابع هجومها ضد الشعب الصومالي وتظهر رغبة متزايدة في تنفيذ عمليات خارج الصومال".
ولاحظ الجنرال ستيفن ج. تاونسند في بيان قرأه أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ في مارس/آذار 2022 أنه "وفقا لمؤشر الإرهاب العالمي فإن سبع دول من أصل الدول العشر التي شهدت أكبر زيادة في الإرهاب عام 2020 كانت في جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية، حيث عانت بوركينا فاسو من زيادة بمقدار 590 في المئة".
لا تزال "حركة الشباب" وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، تسعيان لإيجاد ملاذ آمن في أفريقيا، مما يشكل عبئا إقليميا على الدول الافريقية. ولا تزال حركة الشباب تتابع هجومها ضد الشعب الصومالي وتظهر رغبة متزايدة في تنفيذ عمليات خارج الصومال
وفي حديث مع "المجلة" في مارس/آذار، قال مواطن صومالي عمل في المجال اللوجستي ضمن المنظمات غير الحكومية لأكثر من عقد وطلب عدم ذكر اسمه أو تقديم أية تفاصيل عنه بسبب مخاوف أمنية، إن "حركة الشباب" تحصل على الكثير من الأموال من أناس قبلوا بها ببساطة لأن حجم الفساد لديها أقل بكثير من الفساد الموجود ضمن الحكومة.
لكنه أضاف: "لم يعد أحد يحبهم (حركة الشباب). لم يعد الأمر كما كان قبل بضع سنوات، عندما كان كثير من الناس يؤمنون بهم بالفعل"، لأنهم كانوا يعملون من أجل المصلحة الفضلى للسكان.
وقال الخبير الصومالي إن "حركة الشباب" لا تسيطر الآن إلا على مناطق في الجزء الجنوبي من البلاد والمناطق الريفية وإن الحكومة الحالية اتخذت إجراءات عدة لتقليص مصادر تمويلها.
لكنه أوضح أن "أصحاب السفن يتلقون بشكل منتظم مكالمات من أشخاص يطالبون بخوات وضرائب في اليوم التالي لوصول أي سفينة إلى اي ميناء صومالي، حيث يعرف هؤلاء الأشخاص بالضبط كمية البضائع التي وصلت، ونوعها، إذ أن لحركة الشباب أتباعها في الداخل وفي كل مكان".
وفي إحاطة إعلامية عبر الإنترنت مع صحافيين مختارين بمن فيهم مراسلة "المجلة" هذه في أوائل مارس/آذار، أشار قائد القيادة الأميركية في أفريقيا الجنرال مايكل إي لانغلي إلى "شحنة أميركية حديثة مؤلفة من 61 طنا من المساعدات العسكرية للقوات الصومالية، تتألف من أسلحة من العيار الصغير، عبارة عن "إي كي-47" وبنادق "باريت" مع ذخيرتها".
وأضاف الجنرال لانغلي، الذي تولى قيادة "أفريكوم" في أغسطس/آب الماضي، أنه كان متفائلا قليلا بعد لقائه مع الرئيس الصومالي حسن الشيخ محمد في ما يتعلق بتقدم حملته من أجل ضم المقاطعات وإشراكها في الفيدرالية، وذلك في إطار حملة الرئيس من أجل تحسين الوضع في البلاد، الأمر الذي لا يشمل فقط تطهير المناطق وجذب العشائر لصالح الرؤية الشاملة للصومال، بل العمل المستمر الذي سيقوم به في ما بعد أيضا.
وبحسب ما ورد، حاولت "حركة الشباب" في الأسابيع الأخيرة زيادة دعمها الشعبي بطرق عدة، من ضمنها محاولة التعامل مع القضايا التي يقول السكان المحليون إن الحكومة المحلية لا تعمل جاهدة لمواجهتها.
وفي أوائل مارس/آذار، أفادت صحيفة "صومالي غارديان" المحلية أن "مقاتلي حركة الشباب المتحالفة مع القاعدة بدأوا تسيير دوريات ليلية في بعض أحياء العاصمة مقديشو في حملة مكثفة لمكافحة المخدرات" وأن "الرجال المسلحين حذروا السكان من أنهم سيقتلون في حال ضبطهم وهم يتعاطون المخدرات. أتى ذلك بعد أسابيع من إعلان أبي مصعب، المتحدث العسكري باسم "حركة الشباب"، شن عمليات لمكافحة المخدرات في مقديشو بعد تلقي شكاوى من السكان".
لكن الاختصاصي اللوجستي الصومالي قال لـ"المجلة" "إنه حتى قبل حصاد المحاصيل الزراعية فإن أفراد حركة الشباب يأتون ويطالبون مقدما بثلاث سنوات من "الزكاة" التي فرضتها الحركة، ما أثار غضب السكان المحليين أكثر".
وأشار إلى أن "حركة الشباب" فقدت في السنوات الأخيرة الأراضي التي كانت تسيطر عليها في ضواحي العاصمة الصومالية مقديشو، وهي اليوم مختفية بشكل كبير إلا أنها لا تزال قادرة على شن هجمات في كل مكان.
وبحسب قوله، اتُّخذت خطوات كثيرة ضد الجماعة، من بينها، على سبيل المثل، قطع خط الإمداد من اليمن الذي اعتادت "حركة الشباب" الحصول على الإمدادات عبره.
يتلقى أصحاب السفن مكالمات من أشخاص يطالبون بخوات وضرائب في اليوم التالي لوصول أي سفينة إلى اي ميناء صومالي، حيث يعرف هؤلاء الأشخاص بالضبط كمية البضائع التي وصلت، ونوعها، إذ أن لحركة الشباب أتباعها في الداخل وفي كل مكان
خبير صومالي في شؤون النقل
في الوقت نفسه، تقع نزاعات داخلية أخرى في المنطقة لها تأثير مزعزع للاستقرار. ففي أواخر مارس/آذار، قُتل محمد عدن سليمان، قائد القوات الخاصة الصومالية السابق الذي دربته الولايات المتحدة في معركة في بلدة لاسانود حيث تقاتل قوات من الأراضي الصومالية التي تتمتع بحكم شبه ذاتي ضد القوات المحلية التي تقول إنها تسعى لإعادة توحيد الصومال.
وأضاف الخبير اللوجستي الصومالي في حديثه إلى "المجلة" أن هناك روابط مالية وأيديولوجية بين "حركة الشباب" في القرن الأفريقي والفصائل الجهادية العاملة على الجانب الآخر من القارة، في غرب أفريقيا.
بينما قالت المتحدثة باسم "أفريكوم" في ردها على أسئلة "المجلة" في أوائل مارس/آذار إن جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" بدأت تتوسع في منطقة الساحل. كما أن ولاية غرب أفريقيا التابعة لـ"تنظيم الدولة الإسلامية" بدأت تعزز وضعها بعد تهجير جماعة "بوكو حرام" من المنطقة القريبة من حوض بحيرة تشاد.
وتتشكل جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" من ائتلاف بين الجماعات الإسلامية المتحالفة مع "القاعدة" وقادة يمثلون الطوارق والفولاني والجهاديين العرب من الساحل والمغرب العربي. وكانت الجماعة أعلنت وجودها في مارس/آذار 2017 وهي تتبنى بانتظام مسؤوليتها عن الهجمات في جميع أنحاء مالي والدول المجاورة.
وفي عام 2019، ظهر أمادو كوفا، زعيم إحدى مجموعات جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، في شريط فيديو بعد أشهر من إعلان السلطات مقتله في غارة للقوات الفرنسية.
ويُعتقد، وفقا لتقرير صادر عن مركز أفريقيا للدراسات الاستراتيجية لعام 2020، "أن يكون كوفا قد تحول إلى التطرف من خلال اتصالات مع دعاة باكستانيين من جماعة "الدعوة" في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين". أضاف التقرير أن "كوفا، لكي يحشد المزيد من الدعم، استغل المظالم المحلية التي يشعر بها الرعاة من قبيلة الفولاني" على غرار الطريقة التي اكتسبت بها "حركة الشباب" الدعم في العديد من مناطق شرق أفريقيا.
وفي 22 مارس/آذار، أسفر هجوم وقع في الجزء الشمالي من بوركينا فاسو، وهي المنطقة التي تعمل فيها جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، عن مقتل ما لا يقل عن 15 جنديا واحتياطيا من بوركينا فاسو.
وبات الوضع أكثر تعقيدا في وجه قيام أي نوع من التدخل العسكري الغربي و/أو الدعم للقوات والحكومات المحلية بسبب المشاركة المتزايدة لمجموعة "فاغنر" الروسية في العديد من البلدان في جميع أنحاء القارة.
وأكدت المتحدثة باسم "أفريكوم" لـ"المجلة" أن الولايات المتحدة لا تنظر إلى شراكتها مع أفريقيا على أنها لعبة محصلتها الصفر، في ما يتعلق بوجود "فاغنر" في أفريقيا: "نحن لا نجبرهم على الاختيار بيننا وبين المنافسين الاستراتيجيين الآخرين. إن الشغل الشاغل للعديد من شركائنا في أفريقيا هو الإرهاب وهم يطلبون منا المساعدة في حل هذا التحدي".
وأضافت المتحدثة "إن المنافسين الاستراتيجيين الآخرين مثل مجموعة فاغنر المدعومة من الكرملين معروفون بأنشطتهم المزعزعة للاستقرار وبانتهاكاتهم لحقوق الإنسان. وتراقب أفريكوم أنشطة مجموعة فاغنر في أفريقيا منذ سنوات ونحن قلقون للغاية في شأن نفوذها وانتشارها المتزايدين في جميع أنحاء أفريقيا".
يقع معسكر ليمونير، وهو منشأة تابعة للبحرية الأميركية والقاعدة العسكرية الأميركية الدائمة الوحيدة في أفريقيا، في جيبوتي في شرق أفريقيا، ويساند هذا المعسكر "ما يقرب من 4000 عسكري من القوات الأميركية والقوات المشتركة والحليفة وأشخاص مدنيين ومتعاقدين مع وزارة الدفاع الأميركية"، وفقا لموقع إلكتروني تابع لحكومة الولايات المتحدة.
وفي حديث مع "المجلة" في مارس/آذار، قال تيم ماكدونالد، وهو عقيد في الجيش الأميركي شغل منصب مدير العمليات لقوة المهام المشتركة في القرن الأفريقي في معسكر ليمونير بين صيفي 2021 و 2022، "إن الصلة بين أفريكوم والقيادة المركزية في المنطقة مهمة جدا لفهم الوضع المحيط".
يذكر أن القيادة المركزية هي واحدة من إحدى عشرة قيادة مقاتلة موحدة تابعة لوزارة الدفاع الأميركية وهي مسؤولة عن منطقة واسعة تشمل دول الشرق الأوسط مثل العراق وتصل الى أفغانستان.
وقال ماكدونالد، وهو زميل عسكري في مجلس العلاقات الخارجية ومقاتل سابق في العراق وأفغانستان، "إن معكسر ليمونير في جيبوتي يوفر، بالإضافة إلى ذلك، موقعا مهما من الناحية الاستراتيجية لمواصلة مراقبة التهديدات في دول شرق أفريقيا وما بعدها".
ورداً على سؤال حول الدول الأفريقية التي تتطلب اهتماما عاجلا لتجنب تحويلها إلى أرض خصبة للجماعات الإرهابية العابرة للحدود، أشار -بعد التأكيد أن مجال خبرته يغطي شرق أفريقيا ولا يشمل دول غرب أفريقيا- إلى أنه "من المحتمل أن تكون الحرب في إثيوبيا قد وفرت الظروف المناسبة لنمو الإرهاب العابر للحدود في المنطقة. وإن حالة عدم الاستقرار التي تسببت بها الحرب وندرة الغذاء هي أمور مثيرة للقلق. لقد كانت إثيوبيا ذات يوم شريكا قويا في المنطقة وأود أن أرى توجها لإعادة هذا الوضع ثانية إلى ما كان عليه".
يذكر أن ما يقدر بنحو 43000 حالة وفاة زائدة أحصيت في عام 2022 في الصومال، وفقًا لتقرير صدر في 20 مارس/آذار، بسبب تفاقم الجفاف الذي يضرب الأجزاء الجنوبية الوسطى من البلاد بشكل خاص، حيث تتمتع "حركة الشباب" بوجود أقوى مقارنة بالمناطق الشمالية من البلاد.