أفول المدينة
مدينة بول شاوول دائمة التشكّل والتحاور مع نفسها ومع أهلها والعابرين والعالم. تتفاهم مع التناقضات وتحضن الثقافات المختلفة ولا تتبنى أيّ سلطةٍ ولا تنطق باسمها بل تعرّيها وتفضحها.
هذه المدينة لم تعد ممكنة الآن، بيروت لم تعد تسكن في صفاتها، وكذلك يشهد العالم ذبول المدينة ومعناها.
يرصد شاوول ذلك المشهد حيث يروي قائلا: "أنا ابن قرية وهربت إلى الحمراء، شاهدت بيروت في أعلى قمةٍ من قممها حين كانت عاصمة الثقافة العربيّة بمعناها العريض، وعاصمة الحريّة والديموقراطيّة، حين كنا منفتحين على كلّ العرب، وعلى كل الثقافات. كان هناك تعدديّة، وكان هناك يمين ويسار، بينما تسود الآن الأحزاب الطائفيّة. بيروت التي أعرفها أعطتني القبول كما الرفض، وساهمت في إنتاج العقل النقدي".
المدينة بالنسبة إليه هي "المكان الذي يحضن الاختلاف والرحابة". شارع الحمراء على سبيل المثل كان "شارعا في مدينة، ومدينة في شارع، ومسرحا لنشاط كلّ النماذج الحزبيّة، والثقافيّة، العربيّة، والأجنبية. لقد بدأت نهاية هذا الشارع مع بداية الحرب الأهليّة في لبنان التي قضت على التنوّع لصالح أحادية مغلقة".
لا تعاني بيروت وحدها من تراجع حضور المدينة إذ أنّ فكرة المدينة مهدّدة في كل العالم لأن "أزمات عريضة مثل كورونا عزّزت سطوة الافتراضيّ وعمّمته على كلّ منطق التواصل في الميادين كافة. الحاجة إلى الاجتماع البشريّ المباشر تقلّصت وتضاءلت إلى الحدود الدنيا".
ضدّ "غوغل"
يخلق محرك البحث الأشهر في العالم، "غوغل"، نظاما لغويّا جديدا، يهدّد اللغة عموما واللغة الشعريّة خصوصا. يحارب شاوول هذا الاتجاه بما يسمّيه "العودة إلى الكتاب، لأنّ التكنولوجيا تصنع الكسل والتبلّد الفكري".
يفرّق بين المعلومات والتفكير معتبرا أن التكنولوجيا ساهمت في نشر المعلومات، لكنّها من ناحية أخرى عطّلت مسار التفكير. يشرح أسباب خوفه من سطوة محركات البحث، ووسائل التواصل الاجتماعي، والعالم الافتراضيّ: "لم يعد هناك من حاجة إلى المكان، كلّ شيء يحدث وراء الشاشات، لقد أدخلتنا التكنولوجيا في عزلة إجباريّة، مما قد يعطل سيرورة الفكر، والشعر، والفنون جميعها. الإنتاج في أي مجال صنيعة لقاء مباشر وتفاعل. كان الناس قبل هذه الموجة يجتمعون، ويتناقشون، وكانت المدن ساحات لقاء، وتفاعل، واختبار للأفكار والمشاريع".
يضيف: "للأسف غاب هذا الجو. لم يعد الناس يذهبون إلى السينما لمشاهدة الأفلام بل باتت منصّات البث ترسل الأفلام إلى الشاشات المنزليّة الخاصّة، وكذلك تقلص حضور المكتبات لصالح الكتب الإلكترونيّة. صارت الكتابة، حتى تلك التي تحتاج إلى تمحيص وعناية، مثل الكتابة الشعرية، تنشر مباشرة، ويتداول الشعراء قصائدهم في الفضاء الافتراضي فور كتابتها".
يحذّر شاوول من أنّه "إذا ما تفاقم الوضع ستختفي الجامعات قريبا. لقد سقط مفهوم التقدّم الدائم والحتمي، لا شك في أنّ العالم يعود إلى الوراء".