بيروت: بول شاوول غزير، متعدّد، كثيف، وإشكالي. تجريبيّ من قلب الكلاسيكيّة وحداثي في تجريبيّته. غريب طوائف، ومدارس، وتيارات. لا ينتمي إلا إلى لغته.
ينحت بول شاوول لغته من صخر التجريب الشاق. يدخلها في زيجات لا تنتهي مع الفلسفة، والفكر، والسينما، والموسيقى. يعرض علينا الخلاصات مقطّرة وطازجة، وأصليّة، ومكثّفة، ويدعونا إلى لقاءٍ يتجدّد مع كل قراءة وإعادة قراءة، وكأنّنا في متاهة من غموض شفاف، يتحرك مع طبقات المعرفة، ويتناغم معها فلا ينكشف دفعة واحدة.
شريد في مكانه، يحيا تبدّد الأحلام، وذبول الأمكنة، وتشتّت المعاني. يحمل أرشيفه الممتد على مساحة أكثر من نصف قرن من الشعر، والترجمة، والمسرح، والكتابة السياسيّة، ويطلقه في براري القراءة الحرّة، تاركا للعابرين من بعده مهمّة إحيائه وكتابة سيرته من خلاله.
يحيا في عزلته المسكونة بالوجوه، والكتب، والحنين، والسجائر. يتركها تنسجه على مهل. يغادرها لبرهة إلى أحد مقاهي شارع الحمراء، يراقب تجلياتها في المكان، ويقرأ أحوالها.
كان هناك يدخن صمته حين التقته "المجلة" في حوار يرصد سيرة الشعر، والمدن، وأحوال اللغة واحتمالاتها في عالم يعاني من غزو الافتراضي لميادين التعبير، واحتلاله حيز المكان وطرده من التداول لصالح عزلة فارغة، تنتج شللا فكريّا واجتماعيّا.