تشير الممارسات العدوانية المتصاعدة للقوات الجوية الروسية في سماء سوريا، إضافة إلى التصادم بين مقاتلة روسية وطائرة تجسس أميركية من نوع "ريبر" في البحر الأسود، إلى أن التوترات بين البلدين وصلت إلى مستويات مقلقة. ومع أن الاشتباكات والمواجهات بين قوات البلدين في شمال شرق سوريا ليست جديدة، فقد أثارت التطورات الأخيرة مخاوف بشأن إمكان اندلاع مواجهة أكثر خطورة بين الجانبين. لذلك، من الواجب إعادة تنشيط بروتوكولات عدم التصادم بين تلك القوات بشكل عاجل لمنع الموقف من الخروج عن نطاق السيطرة.
ومنذ أن أرسل الكرملين قواته إلى سوريا أواخر 2015 لدعم النظام السوري، كانت القوات الأميركية والروسية تتعايش تعايشا قلقا. انتشرت القوات الأميركية في شمال شرق سوريا منذ عام 2014 لمواجهة تنظيم "داعش" الإرهابي بالتعاون مع "قوات سوريا الديمقراطية" التي يقودها الكرد، ولا يزال قرابة 900 جندي وعضو في الخدمة متمركزين هناك للمساعدة في منع عودة ظهور الجماعة المتشددة. وقد أنشأت الولايات المتحدة وروسيا في عام 2015 قنوات اتصال لمنع أي اشتباكات بين قواتهما المنتشرة في المنطقة.
بيد أن ثمّة تقارير تشير إلى زيادة كبيرة مؤخّرا، في السلوك غير المهني لسلاح الجو الروسي في سوريا ضدّ القوات الأميركية، منذ 1 مارس/آذار. وأشار مسؤولون عسكريون أميركيون إلى تحليق طائرات حربية روسية مسلحة فوق القواعد الأميركية في جنوب شرق وشمال شرق سوريا، كأحد الأمثلة على المضايقات المستمرة للقوات الأميركية في المنطقة. وذكر المسؤولون أن الطائرات الروسية أصبحت أكثر جرأة في التصرف بعدوانية تجاه القواعد الأميركية بطريقة غير مألوفة لقوة يفترض أنها قوة عسكرية منظمة.
وفي ذلك، يعتقد قائد القوات الجوية المركزية، الجنرال أليكسوس ج. غرينكويتش إن سبب موقف روسيا العدواني المتفاقم هو كما يبدو وصول عدد من القادة الروس الذين كانوا مشاركين في الغزو الروسي الفاشل لأوكرانيا، ولذلك تراهم يحاولون أن يعوّضوا عن فشلهم هناك. ويضيف الضابط الكبير، "بالنسبة لي، هذا [الوضع] مقلق جدا. أعتقد أن بعض أولئك القادة الروس إنما يحاولون ترميم سمعتهم."
وأصبح سلوك الطائرات العسكرية الروسية هذا مصدر قلق كبير لمسؤولي الدفاع الأميركيين بعد مضايقة مقاتلة روسية لطائرة أميركية بدون طيار في 10 مارس/مارس، حيث أفرغت المقاتلة الروسية من طراز"أس يو 27" ( Su-27 ) وقودا قرب طائرة أميركية بدون طيار من طراز "ريبر" فوق المياه الدولية غرب شبه جزيرة القرم، ما تسبب في تحطم الطائرة الاميركية في البحر الأسود. وانتقدت الولايات المتحدة اعتراض الطيارين الروس "غير الآمن وغير المهني" واتهمتهم بمحاولة تعطيل الطائرة الأميركية قبل الاصطدام بها.
على الرغم من أن حادثة الطائرة بدون طيار هذه كانت خطيرة، إلا أن الوضع في سوريا يمثل مخاطر أكبر. وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن القوات الروسية في سوريا لم تعد تعلمهم حاليا بتحركاتها كما كانت تفعل سابقا، في انتهاك لبروتوكولات عدم التصادم الحالية، والتي تتطلب من سلاح الجو الذي يطير إلى المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر إبلاغه مسبقا لتجنب الاصطدامات
وبحسب البيان الأميركي، فإن المقاتلات الروسية أفرغت الوقود وحلقت بتهور أمام الطائرة المسيرة، ما أدى إلى ضربها. ولكن وزارة الدفاع الروسية زعمت، على العكس من ذلك، أن رحلات الطائرات الأميركية بدون طيار قبالة ساحل شبه جزيرة القرم كانت "استفزازية بطبيعتها" لكنها نفت ارتكاب أي مخالفة. والمعروف أن شبه جزيرة القرم هي شبه جزيرة أوكرانية ضمتها روسيا في عام 2014 بالقوة وتستخدمها الآن كقاعدة عسكرية رئيسية لحربها على أوكرانيا. يسلط الحادث الضوء على مخاطر حدوث خطأ أو سوء تقدير يؤدي إلى التصعيد بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، لا سيما مع استمرار زيادة المعدات العسكرية حول أوكرانيا.
على الرغم من أن حادثة الطائرة بدون طيار هذه كانت خطيرة، إلا أن الوضع في سوريا يمثل مخاطر أكبر. وبحسب مسؤولين أميركيين، فإن القوات الروسية في سوريا لم تعد تعلمهم حاليا بتحركاتها كما كانت تفعل سابقا، في انتهاك لبروتوكولات عدم التصادم الحالية، والتي تتطلب من سلاح الجو الذي يطير إلى المناطق التي يسيطر عليها الطرف الآخر إبلاغه مسبقا لتجنب الاصطدامات.
ومن هنا، عندما تدخل طائرات روسية غير معلن عنها ما تعتبره الولايات المتحدة مجالها الجوي، فإن الطائرات الحربية الأميركية تعترض سبيلها الآن. ويجادل المسؤولون الأميركيون بأنهم ملزمون بمراقبة تحركات الطائرات الروسية عن كثب في مجالهم الجوي لضمان سلامة قواتهم على الأرض ومنع أي تهديدات محتملة. وبغض النظر عن المبررات، لا توجد حاليا إجراءات واضحة لمنع تكرار ما جرى في البحر الأسود مرة أخرى في سوريا، وإن وقع فمن المرجح أن تنظر إليه الولايات المتحدة على أنه عمل متعمد.
وتشير التطورات الأخيرة إلى أن مثل هذا السيناريو لم يعد، لسوء الحظ، احتمالا بعيدا، ففي أوقات الأزمات، يمكن لأدنى سوء فهم أن يؤدي إلى حسابات خاطئة وأخطاء جسيمة. وإذا كان الاعتماد على الحكماء في أوقات الأزمات يمكن أن يمنع النتائج الكارثية، فإن هذا النهج ليس استراتيجية مضمونة. فلا بدّ إذن، للتخفيف من مخاطر التصعيد في سوريا، من وجود بروتوكولات واضحة وغير متضاربة بين القوات الأميركية والروسية.
وفي الوقت نفسه، يجب استخدام الخط العسكري الساخن الذي أقيم بين الطرفين استخداما فعالا ودائما لمنع الحوادث غير المقصودة، والتي يمكن أن تتصاعد بسرعة إلى كارثة.