لماذا أصبح العالم يطلب ود الأسد الأفريقي؟ هل هي مصادفة ظرفية؟ أم هو تحول في المصالح الاستراتيجية؟ وهل تملك القارة السمراء مفتاح الحلول لمشكلات العالم المتقدم، وصعوباته الاقتصادية والتموينية والجيوإقتصادية؟
هذه أسئلة أصبحت تُطرح في القمم المتتالية التي تعقدها الدول الصناعية الكبرى مع أفريقيا، وآخرها قمة عُقدت في واشنطن في 14و 15 ديسمبر/ كانون الأول الماضي وحضرها 49 رئيس دولة وحكومة، وسبق التمهيد لها في مراكش خلال القمة 14 لـ "الأعمال الأميركية الأفريقي" (Corporate Council on Africa) على مستوى وزراء الخارجية بين 19 و22 يوليو/ تموز الماضي. اقترح الرئيس جو بايدن فتح عضوية الاتحاد الأفريقي في مجموعة العشرين، لتشجيع التجارة مع القارة السمراء وزيادة الاستثمارات من جهة، وتقليص النفوذ الصيني والأوروبي فيها من جهة أخرى. وتلك هي أهم الأهداف.
بدا الرئيس الأميركي جو بايدن منشرحا، وهو يشاهد المباراة في نصف نهائي كأس العالم بين فرنسا والمغرب، في حضور الرئيس النيجيري محمادو بوخاري ورئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش في البيت الأبيض، وكأنه يشجع الكرة العربية والشراكة الاقتصادية بين نيجيريا والمغرب، بهدف تقليص التبعية للشركاء التقليديين والجدد اتجاه القارة (فرنسا وبقية دول أوروبا الغربية المستعمرة القديمة لأفريقيا، والجدد يضمون روسيا والصين، وحتى اليابان وتركيا والبرازيل والهند بدرجة اقل).
هذه المرة لغة الاقتصاد تسبق السياسة، فواشنطن تعتزم ضخ 55 مليار دولار مشاريع واستثمارات في القارة.
ترى ماذا تملك أفريقيا لا يملكه الآخرون؟
تمتد القارة على مساحة 30 مليون كلم مربع وسط العالم، بين الشرق والغرب، تمثل نحو 20 في المئة من مساحة الارض القابلة للسكن، وتقع على ضفاف البحار والمحيطات ومداخل التجارة البحرية العالمية بساحل بحري على امتداد 41184 كلم من السواحل الغنية بالأسماك والأحياء المائية، وتملك أكثر من 60 نوعا من المعادن المختلفة، معظمها غير مُستغل، يزيد على ثلث الاحتياط العالمي من المواد الأولية غير المعلنة.
فقد كشف تقرير لصحيفة "لا فان غواردي" (La Vanguardia) الإسبانية، صدر قبل أزمة كوفيد-19، أن أفريقيا تملك 12 في المئة من المخزون العالمي من النفط والغاز، و40 في المئة من الذهب و65 في المئة من إنتاج الألماس، وأكثر من 70 في المئة من الفوسفات، و90 في المئة من البلاتينيوم والكروم، و60 في المئة من الكوبالت، وأكثر من 80 في المئة من الكولتان، إضافة إلى أراض شاسعة خصبة صالحة للزراعة تقدر بعشرات الملايين من الهكتارات غير المستغلة، و10 في المئة من مصادر المياه العذبة المتجددة الداخلية على كوكب الأرض، لا يسكنها سوى 17 في المئة من مجموع سكان العالم المقدر بـ 8 مليارات نسمة، وهم سكان شباب في عالم يتجه نحو الشيخوخة. قارة شبه عذراء في مواجه قارة عجوز، تنخرها التيارات المتطرفة والصراع على التدفئة.