بينما يحتفل العديد من الشعوب والجماعات العرقية الآسيوية بعيد النوروز، كالفرس والبشتون والأزر والأوزبك والطاجيك والكازاخ، في الحادي والعشرين من شهر مارس/ آذار من كل عام، باعتباره مناسبة وحدثاً ثقافياُ تقليدياً، يستمد جذوره من الثقافات القديمة لهذه الشعوب، ويعبر عن ارتباطها التليد بالمناسبات والطقوس المتعلقة بالطبيعة وتبدلاتها السنوية؛ فأن المناسبة ذاتها تأخذ بالنسبة للمجموعة العرقية الكردية في بلدان الشرق الأوسط معنى ومساراً آخرين تماما. إذ صار أيقونة وفاعلية وأداة سياسية أكثر من أي شيء آخر. استعملته وما تزال تستعمله، الأحزاب والحركات القومية الكردية في هذه البلدان، لتكريس هويتها القومية الكردية، ورفع سوية "نضالها" السياسي في سبيل ذلك.
فعلى العكس من مجموع تلك الأعراق وثقافتها، التي أجرت تبدلات متراكمة على احتفالية النوروز التقليدية، المستمدة من حكاية أسطورية، لتغدو مناسبة وطقساً للتجمع والتعبير عن اللهو والفرح والموسيقى والأطعمة والرقصات والألعاب الرياضية المحلية القديمة، فأن النوروز كان في الذاكرة الجمعية الكردية يستحضر أحداثاً ومجريات تاريخية سياسية بالضرورة، صبغت كامل العصر الحديث. كان الاحتفال والحضور وممارسة طقوس النوروز مرادفا لسعي أبناء هذه الجماعة للتعبير عن هويتهم وخصوصيتهم القومية واللغوية أثناء الاحتفالية، بينما كانت السلطات الحاكمة للبلدان التي هم فيهما، تمارس العنف والقمع لمنع حدوث ذلك، ولم تخلُ في مرات لا تُعد، من دماء غزيرة.
النوروز الذي هو بالأصل مادة حكائية اسطورية تقليدية، لثائر شاب "كاوا الحداد في المروية الكردية"، ينتفض في وجه حاكم ظالم (الذي هو الضحاك في نفس المروية)، كان في الفضاء الثقافي الكردي بمثابة احتفال سنوي تمجيدي لتك الحكاية، حسب أشهر الكتابات الأدبية الكردية والأكثر ثباتاً في الوجدان الكردي العام. لكنها ما لبثت في العصر الحديث أن انقلبت إلى ما هو محض سياسي.
ففي الملاحم الشعرية الكردية القديمة، مثل "مم وزين" التي كتبها أحمدى خاني أواسط القرن السابع عشر، أو حكاية "سيامند وخجة" مجهولة الراوية، أو مروية "فرهاد وشيرين"، يحضر النوروز كمناسبة للسمر والتقاء الأحبة وغفران الماضي وبذل الوعود والاستماع الى الموسيقي وتناول الأطعمة والشعور بالبهجة، في مطابقة اجتماعية للحدث الطبيعي الجغرافي، مع بداية فصل الربيع من كل عام.