الفلوجة – “ذهبت بعد ذلك لرؤية الجثث تتدلى من الجسر.”، كانت تلك الكلمات الهادئة لأحد سكان المدينة في منطقة الأنبار الغربية في العراق.
"تملكني الرعب. تساءلتُ حينها: ما الذي يحدث لمدينتنا الحبيبة وأهلها!" ، قال أستاذ الدراسات الدينية البالغ من العمر أربعين عاما لـ"المجلة"، خلال زيارة إلى المدينة في 17 مارس/آذار، تعليقا على حادث وقع في مارس 2004 في المنطقة ذات الأغلبية السنية.
بعد مرور عام على بدء الولايات المتحدة غزوها البري للعراق الذي استمر قرابة شهر، ولكنّ آثاره لا تزال محسوسة حتى اليوم، شاهد الناس جثتين معلّقتين على جسر في المدينة، من أصل أربع جثث مشوهة لمقاولين اميركيين قُتلوا في الفلوجة على يد سكان محليين.
وانتشرت صور سكان الفلوجة المبتهجين وهم يهتفون ويضحكون ويصفقون في كافة أنحاء العالم عبر شاشات التلفزيون والصحف، وانطبعت في أذهان أولئك الموجودين هنا.
بدأ التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة غزوه البري للعراق قبل عشرين عاما، في 20 مارس/آذار 2003، وستّتسم السنوات التالية بموجات من العنف المروّع والحرب الطائفية، وستشهد حربا أخرى بعد حوالي عقد من الزمان، هذه المرة ضد تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، وستشارك فيها قوات عراقية رسمية مدعومة من قِبل تحالف تقوده الولايات المتحدة.
عند تذكّر للسنوات التي أعقبت الغزو الاميركي وسقوط نظام صدام حسين، تقول كثرة من السكان إن الوضع قد تحسن – "لكننا نفضّل عدم القول إنه "أفضل"، بل إنه أقل سوءا فحسب". وهم في ذلك يشيرون إلى مشاكل مستمرة مع ما أسموه "نظام العدالة غير العادل"، والافتقار إلى الخدمات العامة الأساسية، والبيروقراطية المفرطة التي تضر بالإنتاجية والمعنويات وتسهم في الوقت ذاته في معاناة دائم في حياة العراقيين: الفساد.
مع ذلك، تحدّث سكان الفلوجة عن رواتب أفضل، وفرص عمل أكثر وحرية أكبر في السفر والصحافة في السنوات الأخيرة.
وكما ذكر أحد السكان، فإنه "خلال عهد صدام حسين، لم نكن لنعرف أصلًا عن الكثير من الجرائم، ففي غياب الصحافة والقدرة على نشر هذه الأخبار، لم نكن نسمع بأي منها".
وقد حُجِب أسماء السكان الذين تحدثت إليهم "المجلة" في هذه المقالة لأسباب أمنية وبناءً على طلبهم. والعديد منهم كان منخرطا في "المقاومة" المناهضة للولايات المتحدة وليس كمقاتلين فقط
وقال أحد الأشخاص، وهو حاصل على شهادة جامعية من خارج العراق ويتحدث الإنجليزية بطلاقة، إنه خلال السنوات التي تلت عام 2003 عمل لفترة في بغداد في تجميع أجهزة تُستخدم في تفجير عبوات ناسفة تستهدف القوات الأجنبية. وأضاف: "رغم ذلك، فأنا لم أقاتل قطّ. لم أستطع المخاطرة بذلك لأنّني أصبحتُ معيلًا لعدد كبير من الأشخاص بعد وفاة بعض إخوتي، حيث أصبحتُ مسؤولًا عن زوجاتهم وأطفالهم." وأردف أنه لم يُقبض عليه ولم يدخل السجن قطّ، "لكنني حتى الآن كلّما اقتربتُ من نقطة تفتيش أو رأيتُ الشرطة في أي مكان، أشعرُ بعقدة في معدتي ولا أستطيع التنفس".
بخلاف العديد من القادة العراقيين الشيعة الذين كانوا ناشطين في القتال ضدّ الولايات المتحدة في ذلك الوقت والذين يمكنهم التباهي بذلك علنًا الآن، يقول العرب السنة من هذه المناطق إنهم يخشون أن يتم الربط بينهم وبين تنظيم "القاعدة" و/أو "داعش" إذا تحدثوا علنًا عن نشاطهم خلال تلك السنوات.
حادثة لمقاول تلفت الانتباه إلى الشركات الأمنية الخاصة
تصاعد التوتر بين المجتمع المحلي والقوات الأجنبية المنتشرة في البلاد في الفترة التي امتدت ما بين الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في مارس 2003 وحادثة جسر الفلوجة.