تحل في شهر مارس/آذار الجاري، الذكرى العشرون على الاحتلال الاميركي للعراق، الذي اسفر عن إنشاء نظام سياسي جديد، لم يحظَ بقبول كبير من جميع العراقيين، وسط اتهامات بالفساد وتراجع الاقتصاد والخدمات العامة واستمرار تدخل طهران، وحصول صدامات عسكرية بين اميركا وايران.
الفوضى، سمة اساسية لواقع العراق في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في العقدين الماضيين، وصولاً الى “حراك تشرين” الذي قام به شباب لتحريك المياه والتغيير.
خلال العقدين، اصبح نفوذ طهران وواشنطن واضحاً، اذ أن اختيار الرئاسات الثلاث، رئاسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة البرلمان، يخضع للمزاجين الإيراني والاميركي. بل أن أصوات الانتخابات لا تحسم القرار، اذ اصبح تشكيل الحكومة من خلال تفسيرات لمواد الدستور، بدءا من العام 2010 عندما منعت ايران، اياد علاوي من تشكيل الحكومة بعد فوزه في الانتخابات وأعُيدت في العام 2018 عندما احترقت صناديق الانتخابات، ومن ثم في العام 2021 عندما فاز مقتدى الصدر، اذ وقفت ايران، ضده وأرغمته على خوض معركة داخلية أدت الى مقتل واصابة المئات من انصاره، مما جعل الصدر ينسحب من العملية السياسية نهائيا تاركا “للاطار التنسيقي” مهمة تشكيل الحكومة.
وقال السياسي نديم الجابري، وهو أحد الذين كتبوا الدستور العراقي في العام 2005، لـ”المجلة”، “لم يؤسس في العراق، بعد العام 2003، نظام سياسي ديمقراطي، انما بنيت دولة مكونات”. وكان الجابري، امينا عاما لحزب الفضيلة، وهو من ضمن الأحزاب الشيعية الرئيسة التي تبوأت إدارة الدولة بعد سقوط نظام صدام حسين، الا أن رأيّه اليوم اختلف تماما، وأصبح ناقما على النظام السياسي الجديد.
وبحسب الجابري، أن “الديمقراطية تُبنى على أساس أحزاب مدنية مع فرص للتكافؤ وتوزيع الثروة، بينما الأحزاب السياسية الحاكمة تتحفظ على مبادئ الديمقراطية، اذ اخذ النظام السياسي الحالي شيئا واحدا من الديمقراطية وهي آلية الانتخابات التي يجري التلاعب فيها أيضا”.
أضاف الجابري ان التجربة السياسية الحالية بدأت تتهاوى وفقد المواطن الثقة بها لكنه مع ذلك هو من يتحمل المسؤولية عن استمرارها، بالتفافه حول المكونات والعشيرة والمجاميع المسلحة والمنطقة، نتيجة قلة الوعي في بناء دولة المؤسسات. ونوه الجابري الى أن المواطن لم يعد حرا وان التلاعب قد شمل الأصوات الانتخابية لجهات تؤمن بالديكتاتورية، خصوصا ان التغيير في العراق جاء من الخارج وليس من الداخل.
تهاوي التجربة
على الجانب الامني، طغت على الساحة العراقية التنظيمات المتطرفة من السنّة والشيعة، ما أدى الى صراع طائفي استمر لسنوات في البلاد، بغطاء سياسي ودولي وراح ضحيته الالاف من الشباب، وسط إنفاق كبير من قبل الدولة على الجهاز الأمني يصل سنويا إلى أكثر من 20 مليار دولار، لكن ما زالت الاعدامات الجماعية للمدنيين مستمرة حتى الآن وتقوم بها بعض المليشيات الشيعية من جهة وتنظيم «داعش» من جهة ثانية.
ويرى الخبير الامني علي البيدر ان «القوى السياسية التي حكمت العراق بعد 2003، كان هدفها الرئيسي عدم إبقاء المؤسسة الأمنية التي كانت حليفة لنظام صدام حسين، وبالتالي خلق منافس لها يزعزع كيانها. كما حلّ الاحتلال الاميركي المؤسسات الأمنية وانشأ مؤسسات جديدة ضعيفة».
وتبدو مدن العراق في حالة حرب، اذ تتواجد عناصر الشرطة والجيش في كل مكان، مع سياراتهم واسلحتهم. فيما تستمر الاغتيالات وعمليات الاختطاف. اذ قتل الالاف امام انظار الأجهزة الأمنية دون ان تفعل شيئا. ويرجع ذلك بحسب البيدر إلى التدخلات السياسية في المشهد الأمني من خلال اختيار القيادات الأمنية على أساس حزبي وطائفي ما اضعف دور المؤسسات الامنية، بالإضافة الى الفساد وغياب التخطيط وسوء الإدارة والتدخلات الإقليمية الحادة في الملف الأمني.
وقد اغتيل الباحث الأمني البارز، ومستشار رئيس الوزراء، هشام الهاشمي، على يد أحد عناصر ميليشيات «كتائب حزب الله»، وهو شخص يعمل برتبة ضابط في وزارة الداخلية، وبالرغم من اعتقاله وإعلان ذلك منذ أكثر من سنتين، الا أنه حتى الآن لم يحاكم، بسبب الضغوط السياسية التي تمارس على القضاء، اذ تشير مصادر إلى أن القاتل قد أطلق سراحه، وجرى تهريبه الى إيران.