يرتكز جيوبوليتيك الشرق الأوسط على مجموعة من نقاط القوة، منها الاقتصادية المستندة الى ثرواته الطبيعية من النفط والغاز وامتلاك مساحات زراعية هائلة، بالإضافة الى ديموغرافيا بشرية شابة (يشكّل الشباب ما نسبته 32% من السكان)، لكن المعطيات الجغرافية وضعته على نقاط تقاطع المصالح الدولية وفي صلب استراتيجياتها منذ ما قبل اكتشاف موارده الطبيعية وتشكّل دوله.
لقد جعلت المضائق البحرية الخمس، مضيق جبل طارق، مضيق باب المندب، مضيق هرمز، قناة السويس، والبوسفور والدردنيل، بالإضافة الى الخليج العربي والبحر الأحمر، من الشرق الأوسط النقطة المحوريّة في استراتيجيات القوى الكبرى ذات الثقل البحري وخطها الدفاعي الذي ينبغي التمسّك به أمام أيّة قوة معاديّة. مكّنت هذه المعطيات الجغرافية الشرق الأوسط من الاحتفاظ بثقله الجيوسياسي خلال السباق الاستعماري في القرن التاسع عشر وخلال التنافس الأيديولوجي بين قطبيّ العالم في النصف الثاني من القرن العشرين، كما أكسبته ميزات جديدة مع انتهاء الحرب الباردة حين تغيّرت التوازنات الدولية وتلاشت مجالات التأثير التي فرضتها القوتان العظميان حيث شرعت القوى الدولية في إلقاء ثقلها نحو المنطقة بالتزامن مع تطور قدرات القوى الإقليمية.
إنّ استعراض المقوّمات الجيوسياسية لكلّ من نقاط القوة المذكورة على امتداد قرنين من الزمن تغيّر عبرهما ميزان القوى الدولي، وانتقل معه مركز الثقل من قوة استعمارية الى أخرى، يؤكّد الدور المحوري لكلّ منها في صياغة التحالفات وتحقيق المصالح على الرغم من التطور الكبير الذي عرفته الآلة العسكرية وأنظمة التحكّم ودخول التقنيات الرقمية المجالات كافة.
قناة السويس ممر دولي
تنبع أهمية القناة من أنها المكان الوحيد الذي يربط مباشرة مياه أوروبا ببحر العرب والمحيط الهندي ودول آسيا والمحيط الهادئ ويمرّ عبرها نحو 12 % من التجارة العالمية و30 % من حركة الحاويات العالمية وما يقدّر بـ7 إلى 10 % من نفط العالم، و 8 % من الغاز الطبيعي المُسال.
تمثّل قناة السويس أهمية خاصة للاقتصاد المصري باعتبارها المورد الخامس للنقد الأجنبي بعد تحويلات المصريين بالخارج والصادرات السلعية مع ارتفاع قيمة إيرادات السياحة والصادرات البترولية.
تستفيد منها الدول المطلّة على المتوسط وشمال وغرب أوروبا، وبلدان البحر الأسود وبلدان بحر البلطيق والولايات المتحدة الأميركية، وفي الجنوب بلدان شرق أفريقيا وبلدان البحر الأحمر والخليج العربي وشرق آسيا وجنوب شرق آسيا والشرق الأقصى وأوستراليا. لا تقتصر أهمية قناة السويس على أنها ممرّ مائي يربط شرق الكرة الأرضية بغربها، بل تتعداها إلى تأثيرها الجيوبوليتيكي على التجارة العالمية والسياسات الاقتصادية والأمنية التي ترسمها الدول الكبرى. وقد تسبّب إقفال قناة السويس القسري لمدة 5 أيام (من 23 مارس/ آذار 2021 لغاية 29 منه) بعد حادث سفينة «إيفر غيفين»، باضطراب سلسلة التبادل التجاري حول العالم وخسائر في الاقتصاد العالمي بلغت 9.6 مليارات دولار يوميا.
استفادت قناة السويس من الحرب الأوكرانية، حيث تسبّب الحظر الأوروبي للطاقة الروسية في بحثها عن بدائل مما عزز عبور ناقلات النفط والغاز الطبيعي عبر القناة، سواء من الخليج وجنوب آسيا إلى أوروبا أو من روسيا إلى الهند وغيرها من الأسواق الآسيوية.