ما هو موقف روسيا من التنافس الاميركي الصيني؟ لنفهم كيف نجيب بشكل صحيح، يجدر بنا أن نربط سلسلة منطقية من الموضوعات التي قد تبدو للوهلة الأولى وكأن لا علاقة لها بعضها ببعض، بل ومتناقضة أحيانا. لا يوجد مكان هنا للسفسطة، فهذا الأسلوب المزخرف له حقّا ما يبرره، ذلك أن فبراير/شباط 2022 قلب نظام القوة الروسية السابق رأسا على عقب.
العامل الاوكراني
مرّ عام كامل على غزو روسيا لأوكرانيا، ولا يزال الكرملين يحتفظ بموقف متماسك في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي اتسمت استجابتها لبدء ذاك النزاع العسكري الواسع النطاق في وسط أوروبا بنوع من ضبط النفس، فلم تدعم العقوبات ضد روسيا ولم تقطع العلاقات معها.
"إن العالم العربي يحب القوة"، كما يشرح لنا بعض الديبلوماسيين الروس بوضوح وإيجاز الموقف العربي تجاه الهجوم على اوكرانيا، الذي "يتفهم بالتالي صراع بوتين مع الغرب، على الرغم من أنه كان لدينا في كثير من الأحيان في عام 2015 وجهات نظر مختلفة جدا حول رؤيتنا للأمور". إنهم، أي العرب، يفضلون التزام الصمت حيال حقيقة أن مسار الحرب الأوكرانية يؤثر بطريقة ما على تصور العالم لفاعلية السياسة الخارجية الروسية.
يعتقد محللون الآن أن السبب الحقيقي لعودة موسكو إلى الشرق الأوسط في عام 2015 كان على وجه التحديد الأحداث الأوكرانية، فقد شعر الكرملين بعد "اتفاقية مينسك الثانية" أنه في وضع يسمح له بالتدخل في الحرب الأهلية في سوريا لإثبات قوته العسكرية على الساحة الدولية، باستخدامه ما يملك من رأس مال القوة المتراكم، بما في ذلك "مرتزقة فاغنر" الذين قاتلوا في دونباس في عام 2014.
ويمكن إجمال السياق العام بالقول إن الحملة الروسية في سوريا سمحت للكرملين بأن يلعب أطروحة "العودة" بنجاح كبير: فمنذ إطلاقها، تمكنت موسكو من تكثيف اتصالاتها مع الجهات الفاعلة الإقليمية والخارجية الرئيسية بطريقة غير مسبوقة واللعب على توترات الحلفاء التقليديين والتدخل في أزمات أخرى من خلال توسيع النشاط الاقتصادي، على سبيل المثل، في كردستان العراق أو لبنان.