قبل اربع سنوات تلقّى تنظيم "داعش" و"دولته" المزعومة، هزيمته النهائية في قرية الباغوز شرق سوريا. واجهت الجماعة الإرهابية والأراضي التي كانت تسيطر عليها هجوما عسكريا دوليا مضادّا، ومنسّقا شمل أكثر من 34500 ضربة جوية ومدفعية، وحملة برية في سوريا والعراق. استغرق الأمر في نهاية المطاف قرابة السنوات الخمس لدحر مشروع "داعش" المتمثل في إقامة "دولة" مزعومة، بشكل منهجي. وانتهى الصراع بمقتل عشرات الآلاف من عناصر التنظيم الأصولي، فكانت سلسلة الأحداث تلك بمثابة تذكرة بيّنة بالمدى الهائل الذي استطاع "داعش" بناءه، والذي وجب على المجتمع الدولي هزيمته بعد ذلك.
لوهلة، بدا للبعض أن هزيمة "داعش" الإقليمية كانت نهاية الحملة الكبرى المتعددة الجنسية، وتلا ذلك بالفعل تراجع في الاهتمام الإعلامي والسياسي بمكافحة "داعش" في سوريا والعراق بعد هزيمة التنظيم. بيد أن الواقع كان مختلفا، ومثلت نهايته الجغرافية، بداية فصل جديد بالغ التعقيد، تمكن التنظيم خلاله من التحوّل إلى العمل السري والقيام بعمليات تحت الأرض، وهو ما يتعذر مكافحته، ويتطلب وجود قوى أمنية واستخباراتية وقدرات تشبه قدرات القوات الخاصة. فوق ذلك، واجهنا إضافة إلى تمرد "داعش" تحديا آخر غير مسبوق تسلّل إلينا، دون أن يحظى بقدرٍ مناسب من الاهتمام العام، لكنه يهدّد بعودة التنظيم في المستقبل.
عندما انطلقت وحدات من "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد) بدعم أميركي جوي ومدفعي إلى ساحة المعركة لمواجهة "داعش" في قرية الباغوز الصغيرة أوائل عام 2019، كان ثمّة افتراضٌ بأن بقايا "داعش" سوف تندثر وتُدفن تحت أنقاض آخر موقعٍ له. لكن ما جرى كان مختلفا، إذ بينما كانت "قوات سوريا الديموقراطية" والتحالف الدولي يتحضّرون لإعلان النصر، استسلم الآلاف من الرجال من أتباع "داعش" ومعهم نحو 60 ألف امرأة وطفل. وجرى نقل الذكور بالشاحنات إلى سجون موقتة تديرها "قوات سوريا الديموقراطية"، بينما توجهت النساء ومعهم الأطفال إلى مخيم للنازحين الداخليين يُعرف باسم مخيم الهول.