ثمّة الكثير من النقاط الواجب تفكيكها وإيضاحها في الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الديبلوماسية بينهما، في رعاية الصين. ما أهتمّ له بشكل رئيسي، هو التأثير المحتمل لهذه الصفقة على المشهد الأمني المستقبلي للشرق الأوسط.
أؤكد أن هناك ثلاثة عوامل ستحد على الأرجح من أي مكاسب أمنية:
أولها، راديكالية النظام الإيراني ونزعته التوسعية.
ثانيها، غياب الإرادة لدى الصين وعدم قدرتها على أداء دور أمني أكثر أهمية في المنطقة.
أما ثالثها فمخاوف إسرائيل العميقة من برنامج طهران النووي. سأتطرق إلى كل عامل من هذه العوامل.
إيران في جوهرها بلد براغماتي. غير أن التاريخ يبين، منذ ولادة "الجمهورية الايرانية" في 1979، أنها أيضا بلد محافظ بعمق، عندما يتعلق الأمر برؤيتها إلى العالم، ومنسجم مع كيفية متابعتها لهذه النظرة.
في طهران، من يقود السياسة الخارجية الإيرانية، ليسوا الديبلوماسيين، الذين شارك بعضهم في مفاوضات الاتفاق مع نظرائهم السعوديين، وإنما يقودها "المرشد الأعلى"، وقد بدأ "الحرس الثوري" يلعب في السنوات الأخيرة دورا متعاظما فيها، وتعتقد هذه الجهات الفاعلة أن مستقبل إيران لا يتحقق إلا بنشر مُثلها في العالمين العربي والإسلامي. دعونا ننتبه إلى أننا لم نسمع بعد من كبار الضباط في "الحرس" شيئا عن الاتفاق مع المملكة العربية السعودية (الى حين كتابة المقال)، الأمر الذي ربما يشير إلى أنهم غير ملتزمين بشروطه.
لو لم تكن إيران تعاني من عزلة ديبلوماسية خانقة وضائقة اقتصادية شديدة، لما سرّها أي تقارب مع السعودية. وهذا هو، في الواقع، الجانب البراغماتي للسياسة الخارجية الإيرانية. ولكن ما إن تجني طهران ثمار هذه الصفقة، حتى تكشف عن شخصيتها الحقيقية مرة أخرى، وتظهر القليل من ضبط النفس في نهجها الإقليمي. فلا يزال العراق نصب عيني إيران، ولطالما هدفت خطتها الى التحكم بسياسات هذا البلد وموارده، مستخدمة العنف والترهيب، مثلما تعتمد تكتيكات "فرِّق تسد".