نتيجة لهذه التبدّلات خبا وهج الأندية المسيحية وتراجعت، حتّى إنّ بعضها طواه النسيان. في حين تسيّدت الأندية المسلمة الساحة الكروية، حدثت طفرة في الأندية الشيعية. وكانت الدرزية السياسية تلعب دور رمّانة الميزان في ذاك الصراع الصامت عبر اتّحاد اللعبة الذي اختصره أمينه العام رهيف علامة، والذي كان يعدّ أقرب الى الحريرية.
فرفيق الحريري أولى الرياضة وكرة القدم أهميّة كبرى، انطلاقا من كونها إحدى أدوات السياسة الناعمة ذات التأثير الهائل. وعمِل من موقعه كرئيس حكومة على استضافة لبنان بعض المناسبات الرياضية والكروية الكبرى. منها دورة الألعاب العربية عام 1997، وكأس آسيا في كرة القدم عام 2000. وقاد ما يمكن وصفه بـ"الثورة الكروية" مع بناء وإعادة تجديد عدد من الملاعب والمرافق المرتبطة بها وفق أحدث المواصفات في ذلك الحين.
الانقلاب على الحريري
عام 1998 اندلع صراع عنيف بين نادي "النجمة" واتّحاد اللعبة على خلفية قرار غير مهم، لكنه لم يكن بلا دلالة بتزامنه مع وصول إميل لحّود الى رئاسة الجمهورية، وسعيه الحثيث مع فريق بشار الأسد الذي بدأ يتسلّم مقاليد الحكم والقرار في سوريا من والده، لتقليم أظفار الحريري سياسيا.
بدأ العمل على تكوين تحالف عريض يجمع الأندية الشيعيّة والمسيحيّة لتقويض نفوذ الحريريّة الكروي. وتزامن ذلك مع الحملة السياسية المستعرة على رفيق الحريري، التي استمرّت حتّى اغتياله. ونجح ذاك الحلف في قلب موازين القرار الكروي بإسقاط الاتحاد، والإتيان بآخر خاضع تماما لسيطرة الثنائي الشيعي، برئاسة هاشم حيدر، أحد رجال برّي المقرّبين والموثوق بهم.
وفي كرة القدم اللبنانية، ثمّة ناديان فقط لديهما قاعدة جماهيرية ضخمة تمتد على مساحة لبنان بأسره، وكلاهما سنيّ بيروتي، هما "الأنصار" الموالي للحريري و"النجمة" الذي صار يغلب على جمهوره الطابع الشيعي.
فساد وفضائح مالية
الطريف أن حيدر نقل عن لسانه عند اختياره للمنصب، أنّ كل معلوماته عن كرة القدم لا تتجاوز معرفته بأنّ الكرة مستديرة. ولا يزال الاتّحاد مستمرّا في ولايات انتخابية متعاقبة تشبه تلك التي يفوز بها رئيس البرلمان نبيه بري. ويستمدّ حيدر قوّته من سطوة "حزب الله"، ونفوذ حركة "أمل". ويتحكّم بقرارات العدد الأكبر من الأندية الناخبة التي تعتاش على مساعدات تقدمها وزارة الشباب والرياضة.
وحاول النظام الأمني السوري - اللبناني تحطيم زعامة رفيق الحريري من بوابّة كرة القدم. فدفع شخصية هامشية الى صدارة المشهد الكروي، هو طه قليلات شقيق رنا التي كانت زوجة أحد ملّاك "بنك المدينة" والمتحكمّة بقراراته. والمصرف هذا كان مركزا لعمليات مشبوهة، ويغرف من خزائنه قادة الأجهزة الأمنية السورية واللبنانية، وعدد من كبار الشخصيّات السياسية اللبنانية المقرّبة من دمشق، ما أدّى في النهاية الى إفلاسه في فضيحة جرى التعتيم عليها.
والى طه قليلات رجال الاستخبارات وأركان الحلف الذي حارب رفيق الحريري، فاشترى رخصة نادٍ كروي من أحد رجال الأعمال المقرّبين من نبيه بري أواخر عام 2000، وأنفق عليه ببذخ واضعا له موازنة بلغت قرابة 7 ملايين دولار، وهي الكبرى في تاريخ كرة القدم اللبنانية حتى يومنا هذا.
واتخذ نادي قليلات وفريقه "أولمبيك بيروت" مقرّا لهما في منطقة الطريق الجديدة، الرافد الانتخابي الأكبر لرفيق الحريري، وفي مبنى مقرّ نادي "الأنصار"، وعمل على اجتذاب قاعدته الجماهيرية بشتّى الإغراءات المالية. لكنّ انكشاف فضائح "بنك المدينة" سرّع انتهاء هذه الظاهرة دون نجاح يذكر.
في المقابل تمكن رفيق الحريري من توجيه ضربة كروية الى خصومه السياسيّين: استحوذ على نادي النجمة عام 2003، بتنازل من رئيسه لأكثر من ثلاثة عقود، الذي كان من معارضي الحريري، وذلك لقاء تخليصه من ديونه المتراكمة. وكان الحريري يروم توسيع دائرة تأثيره السياسي بشكل ناعم من خلال القاعدة الجماهيرية الضخمة لناديي "الأنصار" و"النجمة"، لكنّ القدر لم يسعفه فاغتيل في فبراير/شباط 2005.