بات من الضروري أن نتحدّث بصراحة عن تزايد نفوذ الولايات المتحدة والصين المتصاعد في منطقة الخليج. حتى الآن، لا ترى واشنطن أن ثمّة تنافسا حقيقيا بينها وبين الصين على السعودية ومنطقة الخليج عموما، فالعلاقة بين أميركا والخليج ترجع إلى عقود كثيرة، وقامت على أساس تبادلي بسيط: الأمن الأميركي مقابل الوصول العالمي إلى الطاقة.
لا شكّ أن مسار العلاقات الأميركية - السعودية شهد بعض المطبات الكبيرة، وبخاصة في السنوات العشر الماضية، سوى أن أساس العلاقة لم يتغير. بل إن حرب أوكرانيا أكّدت لأميركا أن صادرات الطاقة السعودية لا تزال مهمة جدا للمصالح الأميركية، إذ لا تزال أسعار الوقود المرتفعة قضية سياسية بالغة الحساسية في أميركا، الأمر الذي دفع الرئيس جو بايدن ليؤكّد بنفسه، مرتين العام الماضي، السياسة الأميركية للمساعدة في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
مع ذلك، كان لا بدّ من أن تتغيّر طريقة توفير الأميركيين للأمن، فالخطر لم يعد، كما كان في الماضي، جيشا عرمرما يوجّهه صدّام حسين، وبالتالي لم يعد من حاجة لوجود عسكري أميركي كبير في المنطقة. بدلاً من ذلك، بات التهديد الأول في منطقة الخليج يأتي من هجوم إيراني بـ “المسيرات” أو بالصواريخ أو من محاولات إيران سدّ مضيق هرمز. أما التنافس الحقيقي ما بين القوّتين الكبريين فهو في آسيا. هكذا، نرى أن لدى واشنطن استراتيجية أمنية جديدة في الخليج، تتماشى مع التهديد المختلف وتتوافق مع الوضع الجيوستراتيجي الجديد لأميركا.
أميركا في آسيا
من المهم أن نلاحظ، أنه بينما ترى السعودية أن علاقة اقتصادية قوية مع الصين مهمة لمستقبل البلاد، فإن الأميركيين يعتقدون بدورهم أن الشرق الأقصى أمر حيوي للازدهار الاقتصادي الأميركي على المدى الطويل. لذلك نرى كيف صنّفت “استراتيجية الدفاع الوطني” لوزارة الدفاع (البنتاغون)، التي نُشرت في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، بالتزامن مع نشْرِ البيت الأبيض “استراتيجية الأمن القومي الأوسع”، الهيمنةَ الصينية على آسيا باعتبارها أخطر تهديد للأمن القومي الأميركي. بدورها كانت تايوان، منذ الحرب الكورية، شديدة الأهمية للاستراتيجية الأميركية في الشرق الأقصى، إضافة الى كونها مُصنِّعا رئيسا لرقائق الكومبيوتر الصناعية.
لذلك، قال بايدن إن أميركا لن تتوانى عن استخدام القوة العسكرية للدفاع عنها من هجوم صيني، وكرّر ذلك أربع مرات. بالتالي، ستعدّل واشنطن انتشارها العسكري العالمي لتعكس الأولوية القصوى للصين. ولا بدّ من التنويه أن “استراتيجية الدفاع الوطني” تصنّف روسيا، حتى مع الحرب في أوكرانيا، باعتبارها أقلّ خطرا من الصين.