تعتمد الإجابة على سؤال ما إذا كانت الثورة السورية التي انطلقت في 2011 طائفية أم لا، على الشخص الذي تسأله هذا السؤال. وتتمتع الآراء بأهمية في أي ثورة من الثورات، سواء كانت تلك الآراء موضوعية أم لا.
لكن بعض الآراء ترتكز على التصورات أكثر من ارتكازها على الحقائق الثابتة. ولكن حتى الحقائق الثابتة يمكن أن تحمل في جنباتها تفسيرات متعددة. ويمكن أن تولّد التصورات والأفكار السياسية حقائق وديناميكيات خاصة بها والتي قد تخرج عن نطاق السيطرة في بعض الأحيان.
أعتقد شخصياً ومن وجهة نظرٍ موضوعية، أن هذه الثورة ليست ولم تكن ثورة أو حربا طائفية، على الرغم من احتوائها على بعض المكونات الطائفية المهمة.
فالثورة السورية لم تقم من فراغ، بل قامت كنتيجةٍ لعقود من التطورات في ظل الحكم البعثي الاستبدادي. وحقيقة الأمر أن أشخاصا من الأقلية العلوية قد هيمنوا على النخبة الحاكمة في النظام السوري، هيمنةً مطلقةً على مدار الستين عامًا الماضية منذ وصول حزب البعث إلى سدة الحكم في عام 1963.
وكان هذا أحد تلك المكونات الطائفية للثورة السورية. فقد تمثّل العلويون تقليديًا في سلك الضباط السوريين على نحوٍ قوي شأنهم في ذلك شأن الأقليات الإسلامية الأخرى كالدروز والإسماعيليين لأسباب تاريخية مختلفة، والتي كان من ضمنها الترويج للأقليات خلال الحقبة الاستعمارية الفرنسية، كجزء من سياسة "فرّق تسد" التي اتبعتها الإدارة الفرنسية. وتمتعت هذه الأقليات بتمثيلٍ بارز في النظام بعد عام 1963.
فعندما قمع النظام السوري الثورة السورية التي كانت سلمية في بدايتها، كان العلويون يسيطرون سيطرةً قوية على مؤسسات النظام القمعية، كوحدات النخبة في الجيش العربي السوري، والأجهزة الأمنية (المخابرات) وميليشيا الشبيحة، كان من المحتم أن يميل بعض الذين تعرضوا لذلك القمع الدموي، والذين ينتمون في أغلبيتهم إلى المسلمين السنة إلى النظر لهذه الوحدات على أنها تحمل طابعا طائفيا. على الرغم من ذلك، لم يكن النظام نفسه نظاما طائفيا بالمعنى الديني، ولو كان مرد ذلك لأيديولوجيته العلمانية فقط. بناء عليه يمكن وصف البعد الطائفي للنظام على نحوٍ أفضل على أنه نظام علماني يهيمن عليه العلويون، يقوم في تماسكه على الولاءات التي ترتكز على الروابط الإقليمية والقبلية والعائلية، وعلى شعورٍ جمعي يرتكز على التماسك الاجتماعي، أو "العصبية". أو بتعبير أدق يمكن وصفه على أنه: شعور جمعي بين عدد محدود من العلويين ضمن جماعة العلويين، لكنه بالتأكيد لا يشمل جماعة العلويين كلها.
ففي ظل نظام دكتاتوري كذلك النظام الذي يحكم سوريا تُطبَّق سياسة الاستبداد والقمع على كل شبر من الأراضي خاضعٍ لسيطرته، بما فيها المناطق الريفية ذات الأغلبية العلوية. فالعلويون الذين يُشتبه في أنهم ضد النظام (ولا بد أن هناك الكثير) يُسجنون أو يتعرضون للقمع الشديد أو القتل على وجه العموم. وأحيانا كان المعارضون العلويون لنظامي حافظ وبشار الأسد في وضع أسوأ من معارضي النظامين من السنّة، لخشية النظام من أن يشكل المعارضون العلويون خطرا أكبر داخل جماعة العلويين.